كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 171 """"""
وأكابر الناس في منازلهم . وفي لونه الأخضر والأغبر والأسود والأحمر والأصفر والأبيض . وهذه الألوان كلّها قليلة ونادرة الوجود إلاّ الأخضر والأغبر . وقد شاهدت أنا بالقاهرة المعزّيّة درّة بيضاء ، سوداء المنقار والرجلين ، وعلى رأسها ذؤابة فستقيّة . وهذا الطائر يتناول الطّعم برجله . وله منقار معقّف قصير يكسر به ما صلب وينقب به ما تعسّر نقبه . وهو في مأكله ومشربه كالإنسان التّرف الظريف . والناس يحتالون على تلقنيه بأن ينصبوا تجاهه مرآةً يرى خياله فيه ويتكلّم الإنسان من ورائها ، فيتوهّم الطائر أنّ خياله في المرآة هو المتكلّم فيأخذ نفسه بحكاية ما يسمعه من ذلك الصوت .
وقال المولى تاج الدين عبد الباقي اليمانيّ رحمه الله فيها ملغزاً :
يا سيّداً أبدع في المقال . . . ويا رئيساً فاق في المعالي
ما حيوانٌ مشبه الإنسان . . . مرتّل الآيات في القرآن
ذو مبسمٍ صيغ من النّضار . . . ومقلةٍ قد ركّبت من قار
ومخلبٍ يكسّر الصّليبا . . . ومنطقٍ يفاخر الخطيبا
ذو حلّة بنديّة البرود . . . منسوجةٍ من أخضر البنود
كروضةٍ قد أينعت أزهارها . . . وأدهشتنا بالغنا أطيارها
قد جمعت في ذاته ألوان . . . كأنّه في خلقه بستان
فذاته من ناصع الزّبرجد . . . ونوره مركّبٌ من عسجد
وتارة يبصر من أقاحي . . . خلقته في سائر النواحي
وعرفه من خالص المداد . . . ونطقه مستحكم الإيراد
يأكل بالكفّ خلاف الطير . . . ويغتدي وهو قدير السّير
إن لقط الحبّ لدى تفريقه . . . رأيت درّاً جال في عقيقه
يحفظ بيت المرء في المغيب . . . ويغتدي كالحارس المرهوب
سميّه في أسفل البحر . . . مستودعٌ في آخر التيار

الصفحة 171