كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 172 """"""
إليه يعزي الشاعر المجيد . . . والكاتب النّحرير والمجيد
فاكشف معمّى ما لغزت يا إمام . . . واسلم على مرّ الدهور في الدّوام
؟
الباب الخامس من القسم من الفن الثالث في الطير الليلي
ّ
ويشتمل هذا الباب على ذكر ما قيل في الخفّاش ، والكروان ، والبوم ، والصّدى .
الخفاّش فالخفّاش ليس من الطير في شيء ؛ فإنه ذو أذنين ظاهرتين وأسنان وخطم وخصيتين بارزتين ، ويبول كما تبول ذوات الأربع ، ويحيض ، ويلد ، ويرضع ، ولا ريش له . قال بعض المفسّرين لكتاب الله عزّ وجلّ : إنّ الخفّاش هو الطائر الذي خلقه عيسى بن مريم عليه السلام بإذن الله تعالى ؛ ولذلك هو مباين لصنعة الخالق ؛ ولهذا سائر الطير تقهره وتبغضه ؛ فما كان منها يأكل اللحم أكله ، وما لا يأكل اللحم قتله ؛ فلذلك لا يطير إلاّ ليلاً . وطعامه البعوض والفراش يصيدهما وقت طيرانه ، ولا يبلغ ذلك إلا بما فيه من سرعة الاختطاف وشدّة الطيران ولين الأعطاف . وهو مع ذلك ليس بذي ريشٍ وإنما هو لحم مغشّى بجلد صلبٍ كأنّه جلد ضفدع ، وهو يطير بغير ريشٍ ؛ وهذا من العجب . وهو لا يطير في ضوءٍ ولا ظلمةٍ . وسبب ذلك أه ضعيف حاسّة البصر ، قليل شعاع العين ؛ فالشمس تضعف بصره عن التحديق في شعاعها ، والظلمة تغمر ضياء بصره ؛ فهو يجعل طيرانه لطلب قوته وقت غروب الشمس وظهور الشّفق . وذلك وقت هيج البعوض وانتشاره . ومنازله تكون في الجبال وصدوع الصخور وبسيط الفيافي وجزائر البحر والأماكن الخربة المهجورة . وهو يطلب قرب الناس ؛ فإذا كان في بيوتهم قصد أرفع مكانٍ وأحصنه فيكون فيه . ويذكر بطول العمر ، ويكبر حتى يكون في قدر الحدأة وأكبر . وهو يلد ما بين الثلاثة إلى التسعة . ويسفد غالباً وهو طائر في الهواء . وهو يحمل ولده تحت جناحه ، وربما قبض عليه بفيه لإشفاقه عليه . وربّما أرضعت الأنثى ولدها وهي طائرة . أخبرني من شاهد ذلك ممن يعتمد على نقله . وهو متى أصابه شجر الدّلب خدر .
قال الجاحظ : والخفّاش يأتي الرّمانة وهي على شجرتها فينقب عنها ويأكل جميع ما فيها حتى لا يدع إلا القشر وحده . قال : ولحوم الخفافيش موافقةٌ للشواهين

الصفحة 172