كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 174 """"""
حتى يصير في قدر البوم ، ويسمّونه الهام ، واحده هامةٌ . وهو يتوحّش ويصيح ويوجد في الدّيار المعطّلة والنّواويس وحيث مصارع القتلى وأجداث الأموات . ويقولون : إنه لا يزال عند ولد الميّت ومخلفيه ليعلم ما يكون بعده فيخبره . وهذا كلّه أراه من خرافات العرب وأكاذيبها . وما زالوا على ذلك حتى جاء الإسلام فنهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنه فقال : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة " الحديث . والله أعلم .
الباب السادس من القسم الخامس من الفن الثالث في الهمج
وقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فيه : إنه ليس من الطير ، ولكنّه مما يطير كالحشرات مما يمشي . والذي أطلق عليه اسم الهمج هو مما يشتمل عليه هذا الباب ، وهو النّحل ، والزّنبور ، والعنكبوت ، والجراد ، ودود القزّ ، والذّباب ، والبعوض ، والبراغيث ، والحرقوص .
النّحل قال الله عزّ وجلّ : " وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشّجر وممّا يعرشون . ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللاً يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاءٌ للنّاس إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يتفكّرون " . وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه : أنّ رجلاً أتى النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : إن أخي يشتكي بطنه يا رسول الله ؛ فقال النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) : " اسقه عسلاً " . ثم أتاه فقال : قد فعلت ؛ فقال : " اسقه عسلاً " . ثم أتاه فقال : قد فعلت ؛ فقال : " اسقه عسلاً " . ثم أتاه في الرابعة ؛ فقال : " صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلاً " ؛ فسقاه فبرئ الرجل .
وقال أرسطو : النحل تسعة أصنافٍ : ستّةٌ منها يأوي بعضها إلى بعض ، وذكر أسماءها باليونانيّة . وغذاء النحل من الفضول الحلوة والرّطوبات . والنحل لا تقعد على أزهارٍ مختلفةٍ بل على زهرٍ واحدٍ ؛ وإن قعدت على زهرٍ آخر فإنما تقعد عليه بعد أن تنصرف إلى الخليّة . وبيوتها من أعجب المباني ؛ لأنها مبنية على الشكل الذي لا ينتهك ولا ينخرق ، كأنه حرّر بآلةٍ وقياسٍ هندسيّ . وإذا هلك شيء من النحل في باطن الخلايا أخرجته الأحياء إلى خارجها . وهو يعمل في فصل الربيع والخريف . والرّبيعيّ

الصفحة 174