كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 175 """"""
أجود من الخريفيّ . والصغير منه أعمل من الكبير . وهو يشرب من الماء النقيّ العذب الصّافي ، ويطلبه حيث كان . وهو يسلخ جلده كالحيّات . وتوافقه الأصوات المطربة . ويجتمع للتصفيق بالأيدي والرّقص . والسوس يضرّه . ودواؤه أن يطرح في كل خليّةٍ كفٌّ من الملح ، وأن تفتح في كلّ شهر مرّةً وتدخّن بأخثاء البقر .
وقد وصف الشعراء الشّهد والعسل في أشعارها ؛ فمن ذلك قول إبراهيم بن خفاجة الأندلسيّ يصف شهدةً بعث بها إليه بعض أصدقائه :
لله ريقةٌ نحلٍ . . . رعى الرّبى والشّعابا
وجاب أرضاً فأرضاً . . . يغشى مصاباً مصابا
حتّى ارتوى من شفاءٍ . . . يمجّ منه رضابا
إن شئت كان طعاماً . . . أوشئت كان شرابا
وكتب مع هذه الأبيات رسالة ، جاء منها : وكفى النّحلة فضيلة ذات ، وجلالة صفات ؛ أنّها أوحي إليها ، وأثني في الكتاب عليها ؛ تعلم مساقط الأنداء ، وراء البيداء ؛ فتقع هناك على نوّارةٍ عبقه ، وبهارةٍ أنقه ؛ ثمّ تصدر عنها بما تطبعه شمعه ، وتبدعه صنعه ؛ وترتشف منها ما تحفظه رضاباً ، وتلفظه شراباً ؛ وتتجافى بعد منه عن أكرم مجتنى ، وأحكم مبتنى .
الزّنبور والزنبور يسمّى الدّبر . وهو جبليّ وسهليّ . فالجبليّ يأوي الجبال والأماكن الخشنة ، وقد يعشّش على الشّجر ، ولونه إلى السواد . والسّهليّ أحمر اللون ويتّخذ عشّه تحت الأرض ويخرج التراب منه كما يفعل النّمل ، وهو يختفي في الشتاء فلا يظهر ، وأكثره يهلك . ومن السّهليّ صنف مختلف الألوان مستطيلٌ ؛ وفي طبعه الشّره يطلب المطابخ ويأكل اللحم ، ويطير مفرداً ويسكن بطن الأرض .
وصنف الزنبور جميعه مقسومٌ في وسطه ؛ وهو لذلك لا يتنفّس من جوفه البتّة . ومتى غمس في الدّهن سكنت حركاته وذلك لضيق منافذه .
وقد وصفه الشعراء . فمن ذلك قول السّلاميّ :

الصفحة 175