كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 181 """"""
دود القزّ ودود القزّ وإن لم يكن من الهمج الذي له جناح ، فمآل أمره أن يصير له جناحٌ ؛ ولذلك أوردناه في هذا الباب وألحقناه بهذا النّوع .
ودود القزّ أوّل ما يكون بزراً في قدر حبّ التين ، وهو البيض الذي يتكوّن في الدّود . ويكون خروجه منه في أوّل فصل الربيع . ويخرج أصغر من الذّرّ ، وفي لونه . وإذا تأخّر خروجه وضعه النساء تحت ثديّهنّ في صرر . فإذا خرج غذّي بورق التوت . ويأخذ في النّمو إلى أن تصير الدودة منه في قدر الإصبع وينتقل من السواد إلى البياض أوّلاً فأوّلاً ، وذلك في مدّة ستين يوماً فما دونها . وله في غضون هذه المدّة نوماتٌ لا يأكل فيها شيئاً البتّة ، كلّ نومةٍ يومان ؛ فإذا استيقظ أكل أضعاف ما كان يأكل قبل النوم . فإذا أكمل المدّة امتلأ حريراً فلا يبقى فيه مساغٌ لمأكل ، فيقطع الأكل عند ذلك ويهيج للنّسج ؛ فأيّ شيء تعلّق به نسج عليه . وهو ينسج على نفسه بما يخرجه من فيه إلى أن يخرج ما في جوفه ، وهو أرق من العنكبوت ، ويكمل عليه ما يبنيه ، فيكون كهيئة اللّوزة . ويبقى محبوساً في غزله قريباً من عشرين يوماً ، ثم ينقب عن نفسه ويخرج فراشاً أبيض ذا جناحين لا يسكنان عن الاضطراب وقرنين وعينين . وهو إذا نقب عن نفسه وخرج لا ينتفع من نسجه بحرير لأنه يقطع طاقاته . وعند خروجه يهيج للسفاد فيلصق الذّكر ذنبه بذنب الأنثى ويلتحمان ساعة زمانيّة ثم يفترقان ، وتنثر الأنثى البزر على الصفة التي ذكرناها على خرقٍ بيضٍ تكون قد فرشت له . فإذا نفذ ما فيهما من السفاد والبزر ماتا . هذا إذا أريد من الدود البزر . وإذا أريد منه الحرير ترك ذلك النسج في الشمس بعض يومٍ فيموت .
وقد جعله بعض الشعراء مثلاً للحريص على جمع المال ، فقال :
يفني الحريص لجمع المال مدّته . . . وللحوادث والوراث ما يدع
كدودة القزّ ما تبنيه يهلكها . . . وغيرها بالذي تبنيه ينتفع وهو كثير العوارض . وأكثر ما يعرض له الفساد إذا أطعم ورق التّوت الحامض . ويهلك من صوت الرعد وضرب الطّست والهاون ، ومن رائحة الخلّ والدّخان . وكثر الحرّ تهلكه وتذيبه ؛ وكذلك البرد الشديد فإنه يبطئ به . ويؤذيه مسّ الجنب والحائض ، ويخشى عليه من الفأر والعصفور والنمل والوزغ .
الذّباب فقد ضرب الله عزّ وجلّ به المثل فقال تعالى : " يأيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب " .

الصفحة 181