كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 182 """"""
فهذا مثلٌ ضربه الله تعالى لضعف الناس وعجزهم عن الإتيان بمخلوقٍ . وجاء في الحديث : " إذا سقط الذّباب في طعام أحدكم أو شرابه فليغمسه فإنّ في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً " . ويقال : إنه يغمس جناح الداء ويرفع جناح الشفاء ، فلهذا ندب إلى غمسه . والعرب تجعل النحل والفراش والدّبر من الذّباب .
قال الجاحظ : والذباب ضروبٌ سوى ما ذكروا من الفراش والنحل والزّنابير ؛ فمنها الشّعراء . قال الراجز :
ذباب شعراء ونبتٌ مائل
وللكلاب ذبابٌ على حدة يتخلّق منها فلا يريد سواها . ومنها ذباب الكلأ والرّياض ؛ وكلّ نوع منها يألف ما خلق منه .
ومنها الذّباب الذي يقتل الإبل وهو أزرق . والذّباب الذي يسقط على الدّوابّ وهو أصفر . ويقال : إنّ الذّباب يكثر إذا هاجت ريح الجنوب وإنّه يخلق في تلك الساعة ؛ وإذا هبّت ريح الشمال خفّ وتلاشى . وهو من ذوات الخراطيم ، وكذلك البعوض . ويقال : إن الذّباب لا يعمّر أكثر من أربعين يوماً .
قال الجاحظ : وليس بعد أرض الهند أكثر ذباباً من واسط ، وربّما رأيت الحائط وكأنّ عليه مسحاً شديد السواد من كثرة ما عليه من الذباب .
ويقال : إن اللّبن إذا ضرب بالكندس ونضح به بيتٌ لم يدخله ذبابٌ . ومن عجيب أمر الذباب أنّه يلقي رجيعه على الشيء الأبيض أسود وعلى الأسود أبيض . ويقال : إنه لا يظهر إلاّ في مواضع العفونات والقاذورات ، ومبتدأ خلقه منها ، ثم يكون من السّفاد .
قال الجاحظ : ويقال : إنّ الذّباب لا يقرب قدراً فيه كمأةٌ .
والذّباب بطيء في سفاده ، وربّما بقي الذّكر على ظهر الأنثى عامّة النّهار ؛ فهو يتجاوز في ذلك البعير والخنزير . وهو من الحيوان الشّمسيّ لأنه يخفى في الشتاء ويظهر في الصيف . وللذّباب يدان زائدتان في مقدّم يديه يتّقي بهما الأذى عن عينيه فإنهما بغير أجفان .
والعرب تضرب به المثل في الزّهو فتقول : " أزهى من ذبابٍ " . قالوا : لأنّه يسقط

الصفحة 182