كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 183 """"""
على أنف الملك الجبّار وعلى موق عينيه ويطرده فلا ينطرد . ويضرب به المثل في القذر واستطابة النّتن . فإذا عجز الذّباب عن شمّ شيء فلا شيء أنتن منه .
وقال ابن عبدل في محمد بن حسّان بن سعد ورماه بالبخر :
وما يدنو إلى فيه ذبابٌ . . . ولو طليت مشافره بقند
يرين حلاوةً ويخفن موتاً . . . ذعافاً إن هممن له بورد
ويقال لكلّ أبخر : أبو ذبّان ؛ وكانت من كنى عبد الملك بن مروان .
وقد وصف الشعراء الذّباب ؛ فمن ذلك قول عنترة :
جادت عليها كلّ عينٍ ثرّةٍ . . . فتركن كلّ حديقةٍ كالدّرهم
فترى الذّباب بها يغنّي وحده . . . هزجاً كفعل الشارب المترنّم
غرداً يحكّ ذراعه بذراعه . . . فعل المكبّ على الزّناد الأجذم
وقال العسكريّ وجمع بين البراغيث والبعوض والذّباب :
وبدا فغنّاني البعوض تطرّباً . . . فهرقت كأس النوم إذ غنّاني
ثمّ انبرى البرغوث ينقط أضلعي . . . نقط المعلّم مشكل القرآن
حتى إذا كشف الصباح قناعه . . . قرأت لي الذّبّان بالألحان
البعوض والبعوض صنفان : صنفٌ يشبه القراد ، لن أرجله خفيّةٌ ورطوبته ظاهرة ، يسمّى بالعراق والشأم الجرجس والفسافس ، وبمصر البقّ . ويشمّ رائحة الإنسان ويتعلّق به . وله لسعٌ شديد . ولدمه إذا قتل رائحةٌ كريهة . ويقال : إنّه يتولّد من النّفس الحارّ ولشدّة رغبته في الإنسان لا يتمالك إذا شمّ رائحته ، فإذا كان في السقف رمى بنفسه عليه فلا يخطئه . وهذا الصنف ليس من الطير . والصنف الثاني طائر ويسمّيه أهل العراق البقّ والبعوض . ويسمّيه أهل مصر الناموس . وهو يتولّد من الماء الراكد ، فإذا صار الماء رقراقاً استحال دعاميص ، ثمّ يستحيل الدعاميص فراشاً . والبعوض في خلقة الفيل إلاّ أنّه أكثر منه أعضاءً ، فإنّ للفيل أربع أرجلٍ وخرطوماً وذنباً ، وله مع هذه الأعضاء يدان زائدتان وأربعة أجنحة . وخرطوم البعوض أجوف نافذ الخرق ؛ فإذا طعن به جلد الإنسان استقى به الدّم وقذف به إلى جوفه . وفيه من الشّره أن يمتصّ من دم الإنسان إلى أن ينشقّ ويموت ، أو يمتصّ إلى أ ، يعجز عن الطيران . ومن عجيب أمره أنه ربّما قتل البعير وغيره من ذوات الأربع ، فيبقى طريحاً

الصفحة 183