كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 185 """"""
اشتدّ عليه الحرّ هلك .
ومن جناس الكلام فيه قولهم : أذى البراغيث إذا البرى غيث . يعنون بالبرى التراب إذا نزل عليه المطر .
والبرغوث يكمن بالنهار ويظهر بالليل . ويشتدّ أذان للإنسان إذا أخذ مضجعه . وهو يطول لبثه بمصر ؛ ولا يوجد في البلاد الحارّة مثل صعيد مصر ولا في البلاد الشديدة البرد .
وقد أكثر الشعراء في وصف البراغيث وأفعالها ؛ فمن ذلك قول أبي الرمّاح الأسديّ وكان قد سكن مصر :
تطاول بالفسطاط ليلي ولم أكن . . . بحنو الغضى ليلي عليّ يطول
يؤرّقني حدبٌ صغارٌ أذّلةٌ . . . وإنّ الذي يوقظنه لذليل
إذا ما قتلناهنّ أضعفن كثرةً . . . علينا ولا ينعى لهنّ قتيل
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً . . . وليس لبرغوث إليّ سبيل
وقال العسكريّ من أبيات :
ومن براغيث تنفى النوم عن بصري . . . كأنّ جفنيّ عن عيني قصيران
يطلبن منّي ثأراً لست أعرفه . . . إلاّ عداوة سودانٍ لبيضان
وقال أبو الحسن أحمد بن أيّوب البصري المعروف بالناهي :
لا أعذل الليل في تطاوله . . . لو كان يدري ما نحن فيه نقص لي في البراغيث والبعوض إذا . . . يلحفنا حندس الظلام قصص
إذا تغنّى بعوضه طرباً . . . ساعد برغوثه الغنا فرقص
وقال عبد المؤمن بن هبة الله الأصبهانيّ :
بات البراغيث في الفراش معي . . . تقسمني قسمةً المواريث
أكلنني بعد ما شربن دمي . . . فمن مغيثي من البراغيث
وقال أيضاً فيها :
إنّ البراغيث إذا ساورت . . . من كنّها ترقص أو تقرص
وكلّما غنّت بعوضٌ لها . . . فهي على شرب دمي أحرص

الصفحة 185