كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 187 """"""
الجاحظ : وفي السمك القواطع والأوابد كالطير . ومن أصناف السمك ما هو في شكل الحيّات . قال : وهي إما أن تكون برّيّة أو جبليّة فاكتسحتها السيول وألقتها في الماء الدائم فتوالدت فيه ؛ وإما أن تكون أمهاتها وآباؤها من دوابّ الماء .
وقال الشيخ الرئيس أبو عليّ بن سينا في الأدوية المفردة : أفضل السمك في جثّته ما كان ليس بكبير جدّاً ولا صلب اللحم ولا يابسه ، ولا دسومة فيه كأنه يتفتّت ، والذي لا مخاطيّة ولا سهوكة فيه وطعمه لذيذ ، فإن اللذيذ مناسبٌ ، وما هو دسمٌ دسومةً غير مفرطةٍ ولا غليظةٍ ولا شحميّةٍ ولا حرّيفة ، والذي لا يسرع إليه النّتن إذا فصل عن الماء . ويختار من السمك الصّلب اللحم ما هو أصغر ، ومن الرّخص اللحم ما هو أكبر إلى حدٍّ مّا . وصلب اللحم مملوحاً خيرٌ من طريّاً . وأمّا في الأجناس فالشبابيط أفضلها ، ثم البنّيّ ، والبياح البحريّ لا بأس به . وأما في مأواه فالذي يأوي الأماكن الصخريّة ثم الرّمليّة والمياه العذبة الجارية التي لا قذر فيها ولا حمأة وليست بطيحيّةً ولا نزّيّةً ولا من البحيرات الصغار التي لا تسقيها الأنهار ولا فيها عيونٌ . قال : والسمك البحريّ محمودٌ لطيف ؛ وأفضل أصنافه الذي لا يكون إلا في البحر واللّجة . والذي يأوي ماءً مكشوفاً ترفرف الرّياح عليه أجود من الذي بخلافه . والذي يأوي ماءً كثير الاضطراب والتّموج أجود من الذي يأوي الماء الراكد . والسمك البحريّ لطيف اللحم لا سيما إذا كان مأواه في الشطوط صخراً أو رملاً ؛ والذي يصير من البحر إلى أنهارٍ عذبةٍ جرية الماء بالطبع لطيفٌ كثر الرّياضة . وأمّا غذاؤه ، فالذي يغتذي بالحشيش وأصول النبات خيرٌ من الذي يغتذي الأقذار التي تطرح من البلاد إلى المستنقعات . وأفضل ما يؤكل السمك اسفيدباجاً ثم المشويّ على الطّابق . وأما المقليّ فيصلح لأصحاب المعد القويّة ومعه الأبازير . والمشويّ أغذى وأبطأ نزولاً ، والمطبوخ بالضدّ . وأفضل طبيخه أن يطبخ بالماء حتى يغلي ثم يلقى فيه .
وأمّا المالح ، فخيره ما كان طريّاً قريب العهد بالتمليح . وأحمده الممقور بالخلّ والتّوابل .
وأمّا طبعه ، فجميع السمك باردٌ رطبٌ ، لكن بعضه أسخن بالقياس إلى مزاج

الصفحة 187