كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 193 """"""
أما الفرس النّهريّ وهو عظيم الجثّة ، وخلقه خلق الفرس ؛ إلا أنّ وجهه أوسع ؛ وله أظلافٌ كالبقرة ؛ وذنبه مثل ذنب الخنزير ؛ وصوته يشبه صوت الفرس . وهو لا يوجد إلاّ في نيل مصر . وهو يخرج من الماء إلى البرّ ، ويرعى الزرع . وإذا قصد الزرع لا يبتدئ من أوّله ، ولكنه يجوز منه قطعةً بقدر ما يأكل ويبتدئ منها بحيث يكون وجهه إلى البحر . وهو يقتل التمساح ويقهره . وأهل الديار المصريّة إذا رأوا أثر حافره في البرّ تباشروا بزيادة النيل وكثر الخصب . وفي سنة اثنتين وسبعمائةٍ طلع الفرس النّهريّ إلى البرّ بالجيزة وأبعد عن البحر ، فتحيّل عليه وقتل . وأهل النّوبة يصيدونه كثيراً ، ويتّخذون من جلده سياطاً يسوقون بها الإبل .
الجندبيدستر وهو السّمّور ، ويسمى كلب الماء . ولا يوجد إلا ببلاد القفجاق وما يليها . وهو على هيئة الثعلب ، أحمر اللّون ، لا يدان له ، وله رجلان وذنبٌ طويلٌ ، ورأسه كرأس الإنسان . ووجهه مستديرٌ . وهو يمشي متّكئاً على صدره كأنه يمشي على أربع ، وله أربع خصىً : ثنتان ظاهرتان وثنتان باطنتان . وهو إذا أراد الصيّادين يجدّون في طلبه لأجل الجندبيدستر ، وهو خصيتاه الظاهرتان ، قطعهما بفيه ورمى بهما إليهم ؛ إذ لا حاجة لهم إلا بهما . فإن لم يرهما الصيّادون وداموا في الجدّ في طلبه استلقى على ظهره ليريهم الدّم ، فيعلمون أنه قطعهما فينصرفون عنه . وهو إذا قطع الظاهرتين ظهر الباطنتان وعوّض عنهما غيرهما . وفي داخل الخصية شبه الدّم أو العسل زهم الرائحة سريع التّفرّك إذا جفّ . ويقال : إنه يوكّر على الأرض ويولد عليها ويرعى فيها ، ويهرب إلى الماء يعتصم به ؛ ويمكنه أن يلبث في قعره حابساً لنفسه زماناً ثم يخرج إلى الهواء .
حيوان القندس والقاقم فالقندس يغتذي بالسمك والنّبات . ويقال : إنّ فيه سادةً وعبيداً ؛ وإنه يتّخذ مساكن مرتّبةً على ترتيب مساكن الناس . والسادة يتّخذون في بيوتهم صففاً مرتفعةً يكونون عليها ، وفي أسفلها مواضع للعبيد ، ولبيوتهم أنفاقاً إلى البرّ وأبواباً إلى النّهر . وبعض هذا الحيوان يغير على بعض . والسادة لا تتكسّب ، وإنما يتكسّب لها العبيد . ويعرف جلد السّيد من جلد العبد بحسن لونه وبصيصه . وأهل تلك البلاد يسلخون خراطيم القندس والسّمّور ويتعاملون بها كما يتعامل بالدّنانير

الصفحة 193