كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 195 """"""
صلب الظّهر ، سريع العدو ، وعيناه على كتفيه ، وفمه في صدره ، وفكّاه مشقوقان من جانبين . وله ثماني أرجلٍ . وهو يمشي على جانبٍ واحدٍ ؛ ويستنشق الماء والهواء معاً . وهو يسلخ جلده في السنة ستّ مراتٍ . وتّخذ بجحره بابين ، أحدهما إلى الماء والثاني إلى البرّ . فإذا سلخ جلده سدّ عليه ما يلي الماء خوفاً من السمك وترك ما يلي البرّ مفتوحاً ؛ فإذ جفّت رطوبته واشتدّ ، فتح ما يلي الماء وطلب معاشه .
قال شعر يصفه :
في سرطان الماء أعجوبةٌ . . . ظاهرةٌ للخلق لا تخفى
مستضعف المنّة لكنّه . . . أبطش من حاربته كفّا
يسفر للناظر عن جملة . . . متى مشى قدّرها نصفا
وقال أبو عبيد البكريّ في كتابه المترجم بالمسالك والممالك : إنّ ببحر الصين سرطاناتٍ تخرج كالذراع والشبر ، فإذا صارت إلى البرّ عادت حجارةً وانقلبت عن الحيوانيّة ؛ والأطباء يتخذون منها كحلاً يجلو البياض .
ذكر شيء من عجائب الحيوان المائي
وعجائب البحر كثيرةٌ جدّاً لا يستغرب ما نذكر منها ؛ ولذلك قيل : " حدّث عن البحر ولا حرج " . وقد حكى صاحب كتاب مباهج الفكر ومناهج العبر في كتابه ، قال : رأيت في بعض المجاميع المجهولة أنّ في بعض البحار شاةً شعراء تكون في البرّ مع البهائم حين الرّعي ؛ فإذا فرغت من رعيها عادت إلى الماء ، وتأكل السمك . قال : وذكر لها خواصّ . قال : وذكر بعضهم دابّة سمّاها خزّ الماء ولم يسمّ المكان الذي تكون فيه ، وقال : إنها مثال ابن عرسٍ أو أكبر قليلاً ، سباحتها في الماء كجريها في البرّ ، لها وبرٌ ناعمٌ تعمل منه ثياب الخزّ ، وهذا الوبر موجودٌ تأتي به التّجّار من البحر الروميّ يباع بالقاهرة ، ويسمّونه صوف السمك ؛ وهو أخضر اللّون ؛ ويقال : إنه إن طلع من البحر يكون أبيض يققاً ، فإذا صار إلى البرّ وأصابه النسيم انقلب إلى الخضرة . وهو يغزلونه ويلحمون به الثياب المسداة بالحرير ، وقيمته لا تقصر عن قيمة الحرير وربما يزيد عليه . وأرخص ما ابتعته أنا حساباً عن وزن كلّ مائة درهم أربعين درهماً . وبه تخنق الأفاعي بمصر ، تفتل منه خيوطٌ تسمّى إذا خنق بها الأفاعي حبال الخناق ، لها نفعٌ في تحليل مرض الخناق .

الصفحة 195