كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 198 """"""
وقال ضياء الدين بن الأثير الجزريّ من رسالة في وصف القسيّ . وذكر الرّماة ، جاء منها : وإذا تناولوها بأيديهم قلت : أهلّةٌ طالعةٌ في أكفّ أقمار ، وإذا مثّل غناؤها وغناؤهم قلت : منايا مسوقةٌ في أيدي أقدار ؛ وتلك قسيٌّ وضعت للّعب لا للنّضال ، ولردى الطير لا لردى الرجال . فإذا نعتها ناعتٌ قال : إنها جمعت بين وصف اللين والصلابه ، وصيغت من نوعين غريبين فحازت معنى الغرابه ؛ فهي مركّبةٌ من حيوان ونبات ، مؤلّفةٌ منها على بعد الشّتات ؛ هذا من سكان البحر وسواحله ، وهذا من سكان البرّ ومجاهله . ومن صفاتها أنها لا تتمكّن من البطش إلا حين تشدّ ، ولا تنطلق في شأنها إلا حين تعطف وتردّ . ولها بناتٌ أحكم تصويرها ، وصحّح تدويرها ؛ فهي في لونها صندليّة الإهاب ، وكأنها صيغت لقوّتها من حجر لا من تراب ؛ فإذا حذفها نحو الأطيار أحد ، قيل : وتصعد من الأرض من جبال فيها من برد ، فلا ترى حينئذ إلا قتيلاً بالمقتل الذي لا يجب في مثله من قود ؛ فهي كافلةٌ من تلك الأطيار بقبض نفوسها ، ومنزلةٌ لها من السماء على أمّ رءوسها .
ومن إنشاء المولى الفاضل شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي الكاتب ، أمتع الله ببقائه ، وزاد في علوّه وارتقائه ، رسالةٌ في رمي البندق ، وصف فيها الرّماة ، ومواضع الرّمي ووقته ، والقسيّ ، وأفعال الرّماة ، وجميع طير الواجب ، لم أقف فيما طالعته لمتقدّم ولا متأخّر على أجمع لهذا الفن منها ؛ وهي مما يستعين بها الكاتب على إنشاء ما يقصده من قدم البندق في أي نوع أراد من طير الواجب . وقد أوردتها بجملتها ؛ لحسن التئامها ، واتّساق نظامها ؛ وجودة ترتيبها ، وبديع تهذيبها . وهي : الرّياضة ، أطال الله بقاء الجناب الفلانيّ ، وجعل حبّه كقلب عدوّه واجباً ، وسعده كوصف عبده للمسارّ جالباً وللمضارّ حاجباً ، تبعث النفس على مجانبة الدّعة والسكون ، وتصونها عن مشابهة الحمائم في الرّكون إلى الوكون ؛ وتحضّها على أخذ حظّها من كلّ فنّ حسن ، وتحثّها على إضافة الأدوات الكاملة إلى فصاحة اللّسن ؛ وتأخذ بها طوراً في الجدّ وطوراً في اللّعب ، وتصرّفها في ملاذّ السموّ في المشاقّ التي يستروح إليها التّعب ؛ فتارةً تحمل الأكابر والعظماء في طلب الصيد على مواصلة

الصفحة 198