كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 199 """"""
السّرى ، ومقاطعة الكرى ؛ ومهاجرة الأوطار ، ومهاجمة الأخطار ؛ ومكابدة الهواجر ، ومبادرة الأوابد التي لا تدرك حتى تبلغ القلوب الحناجر ؛ وذلك من محاسن أوصافهم التي يذّم المعرض عنها ، وإذا كان المقصود من مثلهم جدّ الحرب فهذه صورة لعب يخرج إليها منها ؛ وتارةً تدعوهم إلى البروز إلى الملق ، وتحدوهم في سلوك طريقها مع من هو دونهم علا ملازمة الصدق ومجانبة الملق ؛ فيعتسفون إليها الدّجى ، إذا سجى ؛ ويقتحمون في بلوغها حرق النهار ، إذا انهار ؛ ويتنعّمون بوعثاء السفر ، في بلوغ الظّفر ؛ ويستصغرون ركوب الخطر ، في إدراك الوطر ؛ ويؤثرون السهر على النوم ، والليلة على اليوم ؛ والبندق على السهام ، والوحدة على الالتئام .
ولمّا عدنا من الصيد الذي اتّصل بعلمه حديثه ، وشرح له قديم أمره وحديثه ؛ تقنا إلى أن نشفع صيد السّوانح برمي الصوادح ، وأن نفعل في الطير الجوانح بأهلّة القسيّ ما تفعل الجوارح ؛ تفضيلاً لملازمة الاتحال ، على الإقامة في الرّحال ؛ وأخذاً بقولهم :
لا يصلح النفس إذ كانت مدبّرةً . . . إلاّ التّنقّل من حالٍ إلى حال
فبرزنا وشمس الأصيل تجود بنفسها ، وتسير من الأفق الغربيّ إلى جانب رمسها ؛ وتغازل عيون النّوّار بمقلة أرمد ، وتنظر إلى صفحات الورد نظر المريض إلى وجوه العوّد ؛ فكأنها كئيبٌ أضحى من الفراق على فرق ، أو عللٌ يقضي بين صحبه بقايا مدّة الرّمق ؛ وقد اخضلّت عيون النّور لوداعها ، وهمّ الروض بخلع حلّته المموّهة بذهب شعاعها .
والطلّ في أعين النّوّار تحسبه . . . دمعاً تحيّر لم يرقأ ولم يكف
كلؤلؤٍ ظلّ عطف الغصن متّشحاً . . . بعقده وتبدّى منه في شنف يضمّ من سندس الأوراق في صرر . . . خضرٍ ويخبا من الأزهار في صدف
والشمس في طفل الإمساء تنظر من . . . طرفٍ غدا وهو من خوف الفراق خفي

الصفحة 199