كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 200 """"""
كعاشقٍ سار عن أحبابه وهفا . . . به الهوى فتراءاهم على شرف
إلى أن نضا المغرب عن الأفق ذهب قلائدها ، وعوّضه عنها من النجوم بخدمها وولائدها ؛ فلبثنا بعد أداء الفرض لبث الأهلّه ، ومنعنا جفوننا أن ترد النوم إلاّ تحلّه ؛ ونهضنا وبرد الليل موشّع ، وعقده مرصّع ؛ وإكليله مجوهر ، وأديمه معنبر ؛ وبدره في خرد سراره مستكنّ ، وفجره في حشى مطالعه مستجنّ ؛ كأنّ امتزاج لونه بشفق الكواكب خليطاً مسكٍ وصندل ، وكأن ثريّاه لامتداده معلقةٌ بأمراس كتّانٍ إلى صمّ جندل .
ولاحت نجوم الليل زهراً كأنّها . . . عقودٌ على خودٍ من الزّنج تنظم
محلّقةً في الجوّ تحسب أنها . . . طيورٌ على نهر المجرّة حوّم
إذا لاح بازي الصبح ولّت يؤمّها . . . إلى الغرب خوفاً منه نسرٌ ومرزم
إلى حدائق ملتفّه ، وجداول محتفّه ؛ إذا جمّش النسيم غصونها اعتنقت اعتناق الأحباب ، وإذا فرك من المياه متونها انسابت في الجداول انسياب الحباب ، ورقصت في المناهل رقص الحباب ؛ وإن لثم ثغور نورها حيّته بأنفاس المعشوق ، وإن أيقظ نواعس ورقها غنّته بألحان المشوق ؛ فنسيمها وان ، وشميمها لعرف الجنان عنوان ، ووردها من سهر نرجسها غيران ، وطلّها في خدود الورد منبثٌّ وفي طرر الريحان حيران ؛ وطائرها غرد ، وماؤها مطّرد ؛ وغصنها تارةً يعطفه النسيم إليه فينعطف ، وتارةً يعتدل تحت ورقائه فتحسب أنها همزةٌ على ألف ؛ مع ما في تلك الرياض من توافق المحاسن وتباين الترتيب ؛ إذ كلّما اعتلّ النسيم صحّ الأرج وكلّما خرّ الماء شمخ القضيب .
فكأنّما تلك الغصون إذا ثنت . . . أعطافها رسل الصّبا أحباب
فلها إذا افترقت من استعطافها . . . صلحٌ ومن سجع الحمام عتاب
وكأنّها حول العيون موائساً . . . شربٌ وهاتيك المياه شراب
فغديرها كأسٌ وعذب نطافها . . . راحٌ وأضواء النجوم حباب
تحيط بملقٍ نطافها صاف ، وظلال دوحها ضاف ، وحصاها لصفاء مائها في نفس

الصفحة 200