كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 201 """"""
الأمر راكد وفي رأى العين طاف ؛ إذا دغدغها النسيم حسبت ماءها بتمايل الظّلال فيه يتبرّج ويميل ؛ وإذا اطّردت عليه أنفاس الصّبا ظننت أفياء تلك الغصون فيه تارةً تتموّج وتارة تسيل ؛ لكأنّه محبٌّ هام بالغصون هوىً فمثّلها في قلبه ، وكأنّ النسيم كلفٌ بها غار من دنوّها إليه فميّلها عن قربه .
والسّرو مثل عرائسٍ . . . لفّت عليهنّ الملاء
شمّرن فضل الأزر عن . . . سوقٍ خلاخلهنّ ماء
والنهر كالمرآة تبصر وجهها فيه السماء
وكأنّ صوافّ الطير المبيضة بتلك الملق خيام ، أو ظباءٌ بأعلى الرّقمتين قيام ، أو بأباريق فضّة رءوسها لها فدام ، ومناقيرها المحمّرة أوائل ما انسكب من المدام ؛ وكأنّ رقابها رماحٌ أسنّتها من ذهب ، أو شموعٌ أسود رءوسها ما انطفأ وأحمره ما التهب . وكنّا كالطير الجليل عدّه ، وكطراز العمر الأوّل جدّه .
من كلّ أبلج كالنّسيم لطافةً . . . عفّ الضّمير مهذّب الأخلاق
مثل البدور ملاحةً وكعمرها . . . عدداً ومثل الشّمس في الإشراق
ومعهم قسيّ كالغصون في لطافتها ولينها ، والأهلّة في نحافتها وتكوينها ، والأزاهر في ترافتها وتلوينها ؛ بطونها مدبّجه ، ومتونها مدرّجه : كأنّها الشّولّة في انعطافها ، أو أوراق الظّباء في التفافها ؛ لأوتارها عند القوادم أوتار ، ولبنادقها في الحواصل أوكار ؛ إذا انتصبت لطيرٍ ذهب من الحياة نصيبه ، وإن انبضّت لرمي بدا لها أنها أحقّ به ممّن يصيبه . ولعل ذاك الصّوت زجرٌ لبندقها أن يبطئ في سيره ، أو يتخطّى الغرض إلى غيره ؛ أو وحشةٌ لمفارقة أفلاذ كبدها ، أو أسفٌ على خروج بنيها عن يدها ؛ على أنها طالما نبذت بنيها بالعراء ، وشفعت لخصمها التحذير بالإغراء .
مثل العقارب أذناباً معقّدةً . . . لمن تأمّلها أو حقّق النّظرا
إن مدّها قمرٌ منهم وعاينه . . . مسافر الطير فيها أو نوى سفرا

الصفحة 201