كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 204 """"""
فأنعم بها في البعد زاد مسافرٍ . . . وأحسن بها في القرب تحفة قادم
فلوى الثالث جيده إليها ، وعطف بوجه قوسه عليها ؛ فلجّت في ترفّعها ممعنه ، ثمّ نزلت على حكمه مذعنه ؛ فأعجلها عن استكمال الهبوط ، واستولى عليها بعد استمرار القنوط .
وحاذتها لغلغةٌ تحكي لون وشيها ، وتصف حسن مشيها ؛ وتربى عليها بغرّتها ، وتنافسها في المحاسن كضرّتها ؛ كأنّها مدامةٌ قطبت بمائها ، أو غمامةٌ شفّت عن بعض نجوم سمائها . بغرّةٍ بيضاء ميمونةٍ . . . تشرق في اللّيل كبدر التّمام
وإن تبدّت في الضّحى خلتها . . . في الحلّة الدّكناء برق الغمام
فنهض الرابع لاستقبالها ، ورماها عن فلك سعده بنجم وبالها ؛ فجدّت ف العلوّ مغذّه ، وتطاردت أمام بندقه ولولا طراد الصّيد لم تك لذّه ؛ وانقضّ عليها من يده شهاب حتفها ، وأدركها الأجل لخفّة طيرانها من خلفها ؛ فوقعت من الأفق في كفّه ، ونفر ما في بقايا صفّها عن صفّه .
وأتت في أثرها أنيسةٌ آنسه ، كأنّها العذراء العانسه ، أو الأدماء الكانسه ؛ عليها خفر الأبكار ، وخفّة ذوات الأوكار وحلاوة المعاني التي تجلى على الأفكار ؛ ولها أنس الرّبيب ، وإدلال الحبيب ، وتلفّت الزائر المريب ، من خوف الرّقيب ؛ ذات عنقٍ كالإبريق ، أو الغصن الوريق ، قد جمع صفرة البهار إلى حمرة الشّقيق ؛ وصدرٍ بهيّ الملبوس ، شهيٍّ إلى النّفوس ، كأنّما رقم فيه النّهار بالليل أو نقش فيه العاج بالآبنوس ؛ وجناحٍ ينجيها من العطب ، يحكي لونه المندل الرّطب إلاّ أنّه حطب .
مدبّجة الصدر تفويفه . . . أضاف إلى اللّيل ضوء النهار
لها عنقٌ خاله من رآه . . . شقائق قد سيّجت بالبهار
فوثب الخامس منها إلى الغنيمه ، نظم في سلك رميه تلك الدّرّة اليتيمه ؛ وحصل بتحصيلها بين الرّماة على الرتبة الجسيمه .

الصفحة 204