كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 205 """"""
وأتى على صوتها حبرجٌ تسبق همّته جناحه ، ويغلب خفق قوادمه صياحه ؛ مدبّج المطا ، كأنما خلع حلّة منكبيه على القطا ؛ ينظر من لهب ، ويخطو على رجلين من ذهب .
يزور الرّياض ويجفو الحياض . . . ويشبه في اللّون كدر القطا
ويهوى الزّروع ويلهو بها . . . ولا يرد الماء إلا خطا
فبدره السادس قبل ارتفاعه ، وأعان قوسه بامتداد باعه ؛ فخرّ على الألاءة كبسطام بن قيس ، وانقضّ عليه راميه فخصله بحذقٍ وحمله بكيس .
وتذّر على السابع مرامه ، ونبا به عن بلوغ الأرب مقامه ؛ فصعد هو تربٌ له إلى جبل ، وثبت في موقفه من لم يكن له بمرافقتهما قبل . فعنّ له نسرٌ ذو قوادم شداد ، ومناسر حداد ، كأنه من نسور لقمان بن عاد ؛ تحسبه في السماء ثالث أخويه ، وتخاله في الفضاء قبّته المنسوبة إليه ؛ قد حلّق كالفقراء راسه ، وجعل ممّا قصر من الدّلوق الدّكن لباسه ؛ واشتمل من الرّياش العسليّ إزاراً ، واختار العزلة فلا يجد له إلاّ في قنن الجبال الشواهق مزاراً ؛ قد شابت نواصي الليالي وهو لم يشب ، ومضت الدهور وهو من الحوادث في معقلٍ أشب .
مليك طيور الأرض شرقاً ومغرباً . . . وفي الأفق الأعلى له أخوان
له حال فتّاكٍ وحلية ناسكٍ . . . وإسراع مقدام وفترة وان
فدنا من مطاره ، وتوخّى ببندقه عنقه وفوقع في منقاره ؛ فكأنما هدّ منه صخراً ، أو هدم بناءً مشمخراً ؛ ونظر إلى رفيقه ، مبشراً له بما امتاز به عن فريقه .
وإذا به قد أظلّته عقابٌ كاسر ، كأنما أضلّت صيداً أفلت من المناسر ؛ إن حطّت فسحابٌ انكشف ، وإن قامت فكأنّ قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العنّاب والحشف ؛ بعيدة ما بين المناكب ، وإذا أقلعت لجّت في علوٍّ كأنّما تحاول ثأراً عند بعض الكواكب .
ترى الطير والوحش في كفّها . . . ومنقارها ذا عظامٍ مزاله
فلو أمكن الشمس من خوفها . . . إذا طلعت ما تسمّت غزاله
فوثب إليها الثامن وثبة ليثٍ قد وثق من حركاته بنجاحها ، ورماها بأوّل بندقةٍ فما

الصفحة 205