كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 206 """"""
أخطأ قادمة جناحها ؛ فأهوت كعودٍ صرع ، أو طود صدع ؛ قد ذهب باسها ، وتذهّب بدمها لباسها ؛ وكذلك القدر يخادع الجوّ عن عقابه ، ويستنزل الأعصم من عقابه ؛ فحملها بجناحها المهيض ، ورفعها بعد الترفّع في أوج جوّها من الحضيض ؛ ونزلا إلى الرّفقه ، جذلين بربح الصّفقه .
فوجدا التاسع قد مرّ به كركيٌّ طويل السّفار ، سريع النّفار ؛ شهيّ الفراق ، كثير الاغتراب يشتو بمصر ويصيف بالعراق ؛ لقوادمه في الجوّ هفيف ، ولأديمه لون سماءٍ طرأ عليها غيمٌ خفيف ؛ تحنّ إلى صوته الجوارح ، وتعجب من قوّته الرّياح البوارح ؛ له أثر حمرةٍ في رأسه كوميض جمرٍ تحت رماد ، أو بقيّة جرح تحت ضماد ؛ أو فصّ عقيقٍ شفّت عنه بقايا ثماد ؛ ذو منقارٍ كسنان ، وعنقٍ كعنان ؛ كأنّما ينوس ، على عودين من آبنوس .
إذا بدا في أفقٍ مقلعاً . . . والجوّ كالماء تفاويفه حسبته في لجّةٍ مركباً . . . رجلاه في الأفق مجاذيفه
فصبر له حتى جازه مجلّياً ، وعطف عليه مصلّياً ؛ فخرّ مضرّجاً بدمه ، وسقط مشرفاً على عدمه . وطالما أفلت لدى الكواسر من أظفار المنون ، وأصابه القدر بحبةٍ من حمأٍ مسنون ؛ فكثر التكبير من أجله ، وحمله راميه من على وجه الأرض برجله .
وحاذاه غرنوق حكاه في زيه وقدره ، وامتاز عنه بسواد رأسه وصدره ؛ له ريشتان ممدودتان من رأسه إلى خلفه ، معقودتان من أذنيه مكان شنفه .
له من الكركيّ أوصافه . . . سوى سواد الصدر والرّاس
إن شال رجلاً وانبرى قائماً . . . ألفيته هيئة برجاس
فأصغى العاشر له منصتاً ، ورماه ملتفتاً ؛ فخرّ كأنّه صريع الألحان ، أو نزيف بنت الحان ؛ فأهوى إلى رجله بيده وأيده ، وانقضّ عليه انقضاض الكاسر على صيده .

الصفحة 206