كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 209 """"""
صوب من الفكر ، ويطوي من الأرض ما نشرت أيدي السماء به بروداً أبهى من الحبر ؛ فتارةً تستنزل من العواصم الظباء العواصي ، وآونةً تقتنص الطير وقد تحصّنت من بروج السّحب في الصّياصي ببعوثها الدّانية من كلّ قاصي . وأحسن أنواعه الذي جمع لمعاينه بين روضةٍ ورياضه ، وغدرٍ مفاضه ؛ ومغازلة عيون النّور وهي تدمع حين طرفها بذيله نسيم الصباح ، ومباكرة اللذّات من قبل أن ترشف شمس الضحى ريق الغوادي من ثغور الأقاح ؛ ورمي البندق الذي هو عقلة المستوفز ، وانتهاز غفلة الطائر المتحرّز ؛ ونزهة القلوب التي إن طالت لا تملّ ؛ وإن اجتاز المتنزّه بموطنها لم يؤجر . أحلى من صيد الظباء ، وأشهى من لمح ملح الحسناء ؛ لا يحتاج إلى ركض جواد ، ولا يجتاح فيه خفض العيش جواد ، ولا يهاجر متعاطيه إلى الهواجر ، ولا يحجر على نفسه في الإفضاء إلى المحاجر ؛ أربابه يرتاضون في الروضة الغنّاء ، ويسمعون من نغمات الأوتار وشدو الأطيار مختلف الألحان والغناء ؛ ويمتطون الليل طرفاً ، ويستنيرون من النجوم شموعاً لا تقطّ ولا تطفا ؛ قد اتخذ كل منهم مقاماً أكرم به من مقام ، وهام باللذة فترك كرائم كراه وكذا عادة المستهام ؛ وسبح في لجج الليالي وكرع في نهر النهار ، وتجلّى في حلل الصدق وتخلّى عن خلل العار . يهوون لذّة القنص في الليل إذا عسعس ، والصبح إذا تنفّس ، ويرسلون رسل المنايا إلى صرائعهم فما تتنفّس . إذا برزوا عند الغروب توارت شمس الأصيل حياء ، وذهبت في حلّتها الذهبيّة حين بهروها سناً وسناء ؛ تراهم كالزّهر أو الأزهار ، أو عقدٍ نظم باللّجين والزّمرّد والنّضاء ؛ أوجههم في أفلاك قسيّهم أقمار ، كولدان جنان ، وأعطاف أغصان ؛ قد طاف بهم سياج المسرّة وأحدق ، وحلّوا بثياب سندس خضر وإستبرق ؛ كأنّ الأرض ضاهت بهم السماء ، وفصيّرت قسيّهم أفلاكها ، وغررهم نجومها ، وعزائمهم صواعقها وبنادقهم رجومها ؛ يخفق منهم قلب كلّ خافقه ، وتقدم بعوثهم على ذوات القوادم فبينا هي مترافقة إذا بها متفارقه ، وكأنّ صوافّ الطير لديهم في جوّ السماء ، سطورٌ في صفيحةٍ زرقاء ؛ أو كأنها في التئامها ، عقود درّ في نظامها ؛ يفرطون سلكها ، ويقرّبون هلكها ، ويغدرون بها في الغدر ، ويجسرون عليها في الجسور ، وتقايض بنادقهم صرائعهم فيصير وكر الطير الجراوة وجراوة البنادق حواصل الطيور . وإذا أسفروا وجه صباح ،

الصفحة 209