كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 211 """"""
من الطير كلّ جارحه ، لا ترى صادحةً إلا صيرتها صائحه . قلب كلّ طير منها طائر ، وكيف لا وهي للسّهام ضرائر ؛ تضرم النار لإشواء الطّريدة قبل مفارقتها للأوتار ، وتقتنص من الجوارح كلّ مستخفٍ بالليل وساربٍ بالنّهار ؛ تهيج كامن الغنيمة وتستثير ، وتبدو كأنما عجنت من صندل وعبير . نفسه منها خيفةً وكيف لا وهي في شكل الأراقم ؛ متضادّة تجفو وتلين ، موتورةٌ وغيرها حزين ؛ تضمّها أنامل من يسراهم هي أيمن من يمين عرابة بن أوس ، ويطلع كلٌّ منهم في فلكها والطّالع القمر في القوس ؛ لا تعتصم منها الطّرائد بالخباء في وكر الدّجنّه ، ولا يخفيها اتخاذها الظّلماء جنه ؛ ولا يوقّيها نزقها ، ولا ينقيها ملقها ولا تنجح بخفق الجناح ، ولا تستروح بمساعدة الرياح ؛ لها بنادق كأنها حبات القلوب لوناً ، وأشكال العقود كوناً ؛ كأنما صبغت من ليل وصيغت من شهب ، أو صنعت من أديم للسّحب ؛ تفرد من الطير التّؤام ، وتجمع بين روحها والحمام ؛ قد تحاماها النّسران فاتخذا السماء وكراً ، واتفقا أن يصبحا شفعاً ويمسيا وتراً ؛ تقبض منها الأيدي عند إطلاقها رائحةً رابحه ، جارحةً من الطير كلّ جارحه ، لا ترى صادحةً إلا صيرتها صائحه . قلب كلّ طير منها طائر ، وكيف لا وهي للسّهام ضرائر ؛ تضرم النار لإشواء الطّريدة قبل مفارقتها للأوتار ، وتقتنص من الجوارح كلّ مستخفٍ بالليل وساربٍ بالنّهار ؛ تهيج كامن الغنيمة وتستثير ، وتبدو كأنما عجنت من صندل وعبير .
ولما كان من هو واسطة عقد هذه الأوصاف ، والرافل في برودها الموشيّة للأطراف ؛ والمبدع في فنّه ، والجامع بين فضيلة الرمي وحسنه ؛ والمستنطق لسان قومه بالإحسان ، والحافظ شروطه في طهارة العرض وصدق اللسان ؛ والرامي الذي بلغ بهمّته غاية المرام ، وضاهى ببندقه السّهام ؛ وكان يوم كذا وكذا خرج إلى برزته المباركة وصرع طيرين في وجه واحد ، وأبان عن حسن الرمي وسداد الساعد ؛ وأضحى بينهما كثيراً بين قومه ، وجعلهما لهم وليمةً في يومه ؛ وهما تمٌّ كأنما صيغ من فضّه ، أو تدرّع من النهار حلّةً مبيضّه ؛ أو غاير بياضه الليل فلطم وجهه بيد ظلمائه ، فاقتصّ منه وخاض في أحشائه ؛ لجناحه هفيفٌ في المطار ، تسمع منه نغمة الأوتار . ولغلغةٌ كأنها كوّنت من شقيق وغمام ، أو مزج لونها بماءٍ ومدام ؛ لها غرّةٌ لو بدت في الليل خلتها بدراً ، وإن أسفرت عند الصباح حسبتها فجراً ؛ وحملها فلان وفلان ، وقطع شبقه فلان وادّعى لفلان ؛ وعاد الرامي قرير العين ، مملوء اليدين ؛ إذا فخر غيره بواحدة فخر باثنتين ؛ معظّماً بين أترابه ، مكرّماً لدى أحبابه ؛ ألبسه الله من السرور أزهى أثوابه . بمنّه وكرمه .
ومما ورد في وصف الجلاهق نظماً ، قال أبو الفرج الببّغاء يصفها :
ومرنانٍ معبّسةٍ ضحوك . . . مهذّبة الطبائع والكيان
مغالبةٍ وليس بها حراكٌ . . . وباطشةٍ وليس لها يدان
لها في الجارح النّسب المعلّي . . . وإن هي خالفته في المعاين
تطير مع البزاة بلا جناح . . . فتسبقها إلى قصب الرّهان
وتدرك ما تشاء بغير رجلٍ . . . ولا باعٍ يطول ولا بنان
وتلحظ ما يكلّ الطرف عنه . . . بلا نظرٍ يصحّ ولا عيان
لها غضوان من عصب ولحم . . . وسائر جسمها من خيزران
يخاطب في الهواء الطير منها . . . بلفظٍ ليس يصدر عن لسان

الصفحة 211