كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 43 """"""
فمن أشهب غطّاه النهار بحلّته ، وأوطأه الليل على أهلته ؛ كأنّ أذنه جلفة قلم ، أو شقّة جلم ؛ يدرك بها الوهم ، ويحقّق في الليل البهيم مواقع السهم ؛ يتموّج أديمه ريّا ؛ ويتأرّج ريّا ، ويقول من استقبله في حلى لجامه : هذا الفجر قد طلع بالثريّا ؛ إن التفّت المضايق انساب انسياب الأيم ، وإن انفرجت المسالك مرّ مرور الغيم ؛ كم أبصر فارسه يوماً أبيض بطلعته ، وكم عاين طرف السّنان مقاتل العدا في ظلام النّقع بنور أشعّته ؛ لا يستنّ داحسٌ في مضماره ، ولا تطمع الغبراء في شقّ غباره ، ولا يظفر لاحقٌ من لحاقه بسوي آثاره ؛ تسابق يداه مرامي طرفه ، ويدرك شوارد البوق ثانياً من عطفه .
ومن أدهم حالي الشّكيم ، حالك الأديم ، له مقلة غانيةٍ وسالفة ريم ؛ قد ألبسه الليل برده ، وأطلع بين عينيه سعده ؛ يظنّ من نظر إلى سواد طرّته ، وبياض حجوله وغرّته ؛ أنه توهّم النهار نهراً فخاضه ، وألقى بين عينيه نقطةً من رشاش تلك المخاضه ؛ ليّن الأعطاف ، سريع الأنعطاف ؛ يقبل كالليل ، ويكرّ كجلمود صخرٍ حطّه السّيل ؛ يكاد يسبق ظلّه ، وإذا جارى السهم إلى غرضٍ بلغه قبله .
ومن أشقر غشّاه البرق بلهبه ، ووشّاه الأصيل بذهبه ؛ يتوجّس ما لديه برقيقتين ، وينفض وفرتيه عن عقيقتين ، وينزل عذار لجامه من سالفتيه على شقيقتين ؛ له من الرّاح لونها ، ومن الرياح لينها ؛ إن جرى فبرقٌ خفق ، وإن أسرع فهلالٌ على شفق ؛ لو أدرك أوائل حرب ابني وائلٍ لم يكن للنّعامة نباهه ، ولا للوجيه وجاهه ، ولكان ترك إعارة سكاب لؤماً وتحريم بيعها سفاهه ؛ يركض ما وجد أرضاً ، ولو اعترض به راكبه بحراً وثبه عرضاً . ومن كميتٍ نهد ، كأنّ راكبه في مهد ؛ عندميّ الإهاب ، شماليّ الذّهاب ؛ يزلّ الغلام الخفّ عن صهواته ، وكأنّ نغم الغريض ومعبدٍ في لهواته ؛ قصير المطا ،

الصفحة 43