كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
فسيح الخطا ؛ إن ركب لصيدٍ قيّد الأوابد ، وأعجل عن الوثوب الوحش اللّوابد ؛ وإن جنب إلى حربٍ لم يزورّ من وقع القنا بلبانه ، ولم يشك لو علّم الكلام بلسانه ، ولم ير دون بلوغ الغاية ، وهي ظفر راكبه ، ثانياً من عنانه ؛ وإن سار في سهلٍ اختال براكبه كالثّمل ، وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحطّ في مجاريه كالوعل ؛ متى ما ترقّ العين فيه تسهّل ، ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره : ما أنت هناك فتمهّل .
ومن حبشيّ أصفر يروق العين ، ويشوق القلب بمشابهته العين ؛ كأنّ الشمس ألقت عليه من أشعّتها جلالاً ، وكأنه نفر من الدّجى فاعتنق منه عرفاً واعتلق أحجالاً ؛ ذي كفلٍ يزين سرجه ، وذيلٍ يسدّ إذا استدبرته منه فرجه ؛ قد أطلعته الرياضة على مراد فارسه ، وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع قلائده وتوشيع ملابسه ؛ له من البرق خفّة وطئه وخطفه ؛ ومن النسيم لين طروقه ولطفه ، ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه ؛ يطير بالغمز ، ويدرك بالرّياضة مواقع الرّمز ، ويغدو كألف الوصل في استغنائه مثلها عن الهمز .
ومن أخضر له من الروض تفويفه ، ومن الوشي تقسيمه وتأليفه ؛ قد كساه الليل والنهار حلتي وقارٍ وسنا ، واجتمع فيه من البياض والسواد ضدّان لمّا استجمعا حسناً ؛ ومنحه البازي حلّة وشيه ، وأعطته نفوح الرياح ونسماتها قوّة ركضه وخفّة مشيه ، يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله ، ولمّا لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حبّ الظفر بمسابقة خياله ، كأنه تفاريق شيب في سواد عذار ، أو طلائع فجرٍ خالط بياضه الدّجى ، فما سجى ، ومازج ظلامه النهار ، فما أنار ؛ يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في شدّة السّير كالسيل ، ويدلّ بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللّوامع وبين البرقيّة من الخيل ، ويكذّب المانويّة لتولّد اليمن فيه بين إضاءة النهار وظلمة الليل .
ومن أبلق ظهره حرم ، وجريه ضرم ؛ إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها

الصفحة 44