كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
عدم ، وإن صرّف في حربٍ فعمله ما يشاء البنان والعنان وفعله ما تريد الكفّ والقدم ؛ قد طابق الحسن البديع بين ضدّي لونه ، ودلّت على اجتماع النّقيضين علّة كونه ؛ وأشبه زمن الرّبيع باعتدال الليل فيه والنهار ، وأخذ وصف حلتي الدّجى في حالتي الإبدار والسّرار ؛ لا تكلّ مناكبه ، ولا يضلّ في حجرات الجيوش راكبه ، ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى أن تسترشد فيه كواكبه ؛ ولا يجاريه الخيال فضلاً عن الخيل ، ولا يملّ السّرى إلاّ إذا ملّ مشبهاه : النهار والليل ، ولا تتمسّك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت فبالذّيل ؛ فهو الأبلق الفرد ، والجواد الذي لمجاريه العكس وله الطّرد ، قد أغنته شهرة نوعه في جنسه عن الأوصاف ، وعدل بالرياح عن مباراته سلوكها له في الاعتراف جادّة الإنصاف .
فترقّى المملوك إلى رتب العزّ من ظهورها ، وأعدّها لخطبة الجنان إذ الجهاد على مثلها من أنفس مهورها ؛ وكلف بركوبها فكلّما أكمله عاد ، وكلّما أقله شره إليه فلو أنه زيد الخيل لما زاد ؛ ورأى من آدابها ما دل على أنها من أكرم الأصائل ، وعلم أنها ليومي سلمه وحربه حنيّة الصائد وجنّة الصائل ؛ وقابل إحسان مهديها بثنائه ودعائه ، وأعدّها في الجهاد لمقارعة أعداء الله تعالى عليها وأعدائه ؛ والله تعالى يشكر برّه الذي أفرده في الندى بمذاهبه ، وجعل الصّافنات الجياد من بعض مواهبه . والله أعلم بالصواب .
ومن إنشاء المولى الفاضل تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني رسالةٌ في مثل ذلك أنشأها في سنة ستٍّ أو خمسٍ وسبعمائة . وسمعتها من لفظه ، ونقلتها من إملائه ؛ وهي : يقبّل اليد العالية الفلانيّة ، لا زالت ترسل إلى الأولياء سحائب كرمها ، وتقلّد الأودّاء قلائد نعمها ، ولا برح المرهفان طرازي حاشيتها وخدمها ، حتى ينوب القلم عن صليل مرهفها والصّمصام عن صرير قلمها ، لتتساوى في الإنفاذ مواقع كلمها ومراسم كلمها ؛ ولا فتئ ظاهرها قبلة القبل وغاية الآمال ، وباطنها مورد الكرم ومصدر الأموال .

الصفحة 45