كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 47 """"""
الخجل ، أو كوردة ناظرت بخفرها نرجس المقل ؛ تناسبت أجزاؤه في الملاحه ، وتساوت مراتبه في الصّباحه ؛ وجاهة الوجيه ناطقة من المحيّا ، ومسيل غرّته كتصويب الثريّا ؛ حجّل بالجوزاء وأسرج بالهلال ، وألجم بالمجرّة فما لابن ذكاء في الإشراق عليه مجال ؛ إن أطلق والريح في سنن ميدان ، رأيت الريح ككميتٍ خلّفته الجياد يوم الرّهان ؛ تنهب الفلاة حوافره ، وتحرز قصب السبق بوادره . يتبعه كميت كقطعة جمر ، أو ككأس خمر ؛ اسودّ ذنبه وعرفه ، واختال كالنّشوان فكأنما أسكره وصفه ؛ حكت أذناه قادمتي حمامه ، أو المحرّف من أقلام قدامه ؛ قصرت عن سعيه الخيول فسابق الظّلال ، ونشأ مع النّعام فلا يألف غير الرّئال ؛ كأنّ الصّبا ألقت إليه عنانها قسراً ، فتخبّ بسرجه مرّةً وتناقل أخرى . مقروناً بأصفر كالدّينار ، قد أفرغت عليه حلة نور لا نار طال منه الذيل واتسع اللبان فكأنما هو نار على يفاعٍ شبّت للضّيفان ؛ جلّلته الشمس بأنوارها ، وأهدت إليه الرّياض اصفرار أزهارها ؛ تشهدك عند رؤيته يوم العرض ، فروج قوائمه سماءً على أرض ؛ إن هملج لاذت الريح بالشّجر ، وإن عدا قصر عن إدراكه رؤية البصر ؛ نجاشيّ النّجار ، وحليف الوجار ؛ كأنما خلق من الحزم شطره ، ومن العزّ ظهره ؛ ومن الإقبال غرّته ، ومن كنوز المفاخر سرّته ؛ يقرّ أعوج بني هلالٍ بفضله ، ويقفو حرون مسلمٍ أثر ظلّه . مختوماً بأدهم كصخرة سيل ، أو كقطعة ليل ؛ خاض في أحشاء الصّباح فلطم جبينه ، وسابق الفلك فقيّد بالجوزاء رجليه ويساره وأطلق يمينه ؛ عريض الكفل والمنخرين ، دقيق القوائم والساقين ؛ كأنما أشرب لونه سواد القلب والبصر ، وكأنما النصر قيسٌ وهو ليلى يحضره حيث حضر ؛ لو كتب اسمه على رايةٍ لم تزل تقدم فتوحاً ، أو لمعت بوارق سنابكه رأيت زنجيّاً جريحاً ؛ طابقت أخباره لمخبره ، وسبقت رجلاه في العدو مواقع نظره ؛ لا يعلق غرابٌ بغباره ، ولا تستنّ النّعامة في مضماره .

الصفحة 47