كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 52 """"""
منافعها ، وعلى خفّة مؤونتها في التنقّل في أمكنتها وأزمنتها ، ولم كلف الأشراف بارتباطها مع كثر ما يزعمون من عيوبها ، ولم آثروها على ما هو أدوم طهارة خلقٍ منها ، وكيف ظهر فضلها مع النقص الذي هو فيها ، وكيف اغتفروا مكروه ما فيها لما وجدوا من خصال المحبوب فيها .
وقال : ولقد كلف بارتباطها لأشراف حتى لقّب بعضهم من أجل اشتهاره بها بروّاض البغال ؛ ولقّبوا آخر بعاشق البغل . فبسط القول في الترجمة ثم لم يأت من أخبار البغال بطائلٍ ، بل اقتصرت على حكاياتٍ واستطرد منها إلى غيرها ، على عادته في مصنّفاته . فكان مما حكاه من ذلك : قال مسلمة بن عبد الملك : ما ركب الناس مثل بغلةٍ طويلة العنان ، قصيرة العذار ، صفواء العرف ، حصّاء الذّنب .
قال : وكتب روح بن عبد الملك إلى وكيل له : ابغني بغلةً حصّاء الذنب ، عظيمة المحزم ، طويلة العنق ، سوطها عنانها ، وهواها إمامها .
قال : وعاتب صفوان بن عبد الله بن الأهتم عبد الرحمن بن عبّاس بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطّلب في ركوب البغال ، وكان ركّاباً للبغلة ، فقال له : مالك ولهذا المركب الذي لا يدرك عليه الثار ، ولا ينجّيك يوم الفرار ؟ فقال : إنها نزلت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلّة العير ، وخير الأمور أوساطها . فقال صفوان : إنا نعلّمكم ، فإذا علمتم تعلّمنا منكم . وهو الذي يلقّب روّاض البغال ، لحذقه بركوبها ، ولشغفه بها ، وحسن قيامه عليها . وكان يقول : أريدها واسعة الجفرة ، مندحّة السّرة ، شديدة الغلوة ، بعيدة الخطوة ، ليّنة الظهر ، ملوية الرّسغ ، سفواء جرداء عنقاء ، طويلة الأنقاء .
قال : وقال ابن كتامة : سمعت رجلاً يقول : إذا اشتريت بغلةً ، فاشترها طويلة العنق ، تجده في نجائها ؛ مشرفة الهادي ، تجده في طباعها ؛ ضخمة الجوف ، تجده في صبرها .
قال : ولما خرج قطريّ بن الفجاءة أحبّ أن يجمع إلى رأيه رأي غيره ؛ فدسّ

الصفحة 52