كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 62 """"""
عن سدفة الإقتار ؛ وقلت : أيّ قدمٍ أحقّ بولوج الرّكب من قدميه ، وحاذٍ أولى ببطون القبّ من حاذيه ؛ وأيّ أنامل أبهى من أنامله إذا تصرّفت في الأعنّة يسراها ، وتحتّمت بالمخاصر يمناها ؛ وكيف يكون ذلك الخلق العظيم ، والوجه الوسيم ؛ وقد بهر جالساً ، وإذا طلع فارساً . ثم اتّهمت آمالي بالغلوّ فيك ، واستبعدت مناقضة الزمان بإنصاف معاليك ؛ فقبضت ما انبس من عنانها ، وأخمدت ما اشتعل من نيرانها ؛ حتى وقفت على صحيحة الشك . أرجو علوّ همّتك بحسن اختيارك ، وأخشى منافسة الأيّام في درك أوطارك ؛ فإنها كالظّانّة في ولدها ، والمجاذبة بالسّوء في واحدها ؛ يدني الأمل مسارّها ، ويرجئ القلق حذارها ؛ حتى أتتنا الأنباء تنعى رأيك القائل ، وتفلّ عزمك الآفل ؛ بوقوع اختيارك على فاضح صاحبه ، ومسلم راكبه ؛ الجامد في حلبة الجياد ، والحذق بالحران والكياد ؛ السّوم دينه ودأبه ، والبلادة طبيعته وشأنه ؛ لا يصلحه التأديب ، ولا تقرع له الظّنابيب ؛ إن لحظ عيراً نهق ، أو لمح أتاناً شبق ، أو وجد روثاً شمّ وانتشق ؛ فكم هشم سنّاً لصاحبه ، وكم سعط أنف راكبه ؛ وكم استردّه خائفاً فلم يردده ، وكم رامه خاطباً فلم يسعده ؛ يعجل إن أحبّ الأناة والإبطاء ، ويرسخ إن حاول الحثّ والنّجاء ؛ مطبوعٌ على الكيد والخلاف ، موضوع للضّعة والاستخفاف ؛ عزيزٌ حتى تهينه السّياط ، كسولٌ ولو أبطره النّشاط ؛ ما عرف في النّجابة أباً ، ولا أفاد من الوعي أدباً ؛ الطالب به محصور ، والهارب عليه مأسور ؛ والممتطي له راجل ، والمستعلي بذروته نازل ؛ له من الأخلاق أسوؤها ، ومن الأسماء أشنؤها ، ومن الأذهان أصدؤها ، ومن القدود أحقرها ؛ تجحده المراكب ، وتجهله المواكب ؛ وتعرفه ظهور السوابك ، وتألفه سباطات المبارك . والله الموفق .

الصفحة 62