كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 80 """"""
والحيّة مشقوقة اللسان ، ولسانها أسود . وزعم بعض المفسرين لكتاب الله عز وجل أنّ الله تعالى عاقب الحيّة ، حين أدخلت إبليس في فمها حتى خاطب آدم وحواء وخدعهما ، بعشرة أشياء : منها شقّ لسانها ؛ فلذلك ترى الحيّة إذا ضربت لتقتل كيف تخرج لسانها لتري الضارب لها عقوبة الله تعالى ، كأنها تسترحم . ويقال : إن من خصائص الحيّة أنّ عينها إذا قلعت عادت ، وكذلك نابها إذا قلع أو قطع بالكاز عاد بعد ثلاث ليالٍ ؛ وكذلك ذنبها إذا قطع عاد . وفي طباعها أنها تهرب من الرجل العريان ، وتفرح بالنار وتطلبها وتعجب بها ، وباللبن والبطيخ والّلفّاح والخردل . وهي لا تضبط نفسها عن الشراب إذا شمّته ؛ وإذا وجدته شربت منه حتى تسكر ؛ فربما كان السّكر سبب حتفها ؛ لأنها إذا سكرت خدرت . وتكره الحيّة ريح السّذاب ولا تملك نفسها معه ، وربما اصطيدت به ؛ وتكره ريح الشّيح . والحيّة تذبح حتى تفرى أوداجها فتبقى أياماً لا تموت . ومتى ضربت بالقصب الفارسيّ ماتت ، وإن ضربت بسوط قد مسّه عرق الخيل ماتت . ويقال : إنها لا تموت حتف أنفها إلا أن تقتل .
ومن أعجب ما شاهدته أنا من الأفاعي أنها قطّعت بحضوري بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة المعزّيّة في شهور سنة ستٍّ وسبعمائةٍ بسبب عمل الدّرياق الفاروق ؛ وقطع من رأسها وذنبها ما جرت العادة بقطعه ، وسلخت وشقّ بطنها نظّفت وهي تختلج ، ثم سلقت وجرّد لحمها عن العظم ، فنظرت إليه فإذا هو يختلج ؛ فعجبت لذلك ؛ وذكرته لرئيس الأطبّاء علم الدّين المعروف بابن أبي حليقة وهو حاضر في المجلس ، فقال : ليس هذا بأعجب مما تراه الآن ، وقال لي : استدع أقراص الأفاعي التي عملت من أكثر من سنة ؛ فاستدعيتها ، فأحضرها الخازن وهي في العسل وقد دقّ

الصفحة 80