كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 81 """"""
لحم الأفاعي بعد سلقه وعجن بالسّميذ وجع أقراصاً ووضع في العسل من أكثر من سنة ؛ فقال لي : تأمّل الأقراص ؛ فتأملتها فإذا هي تضطرب اضطراباً خفيفاً .
وقال الجاحظ : وزعم صاحب المنطق أنّ الحيّات تنسلخ عن جلودها في كل عام في أوّل فصل الربيع أو الخريف ؛ وتبتدئ بالسّلخ من عيونها ويتمّ سلخها في يوم وليلة ، ويصير داخل الجلد هو الخارج . وإذا هرمت وعجزت عن السلخ وارتخى جسمها أدخلت جسمها بين عودين أو في صدعٍ ضيقٍ حتى تنسلخ ، ثم تأتي إلى عين ماء فتنغمس فيها فيشتدّ لحمها يعود إلى قوّته وشدّته . قال الجاحظ : وليس في الأرض مثل جسم الحيّة إلا والحيّة أقوى بدناً منه أضعافاً . ومن قوّتها أنها إذا أدخلت صدرها في جحر أو صدع لم يستطع أقوى الناس وقد قبض على ذنبها بكلتا يديه أن يخرجها ، لشدّة اعتمادها وتعاون أجزائها ؛ وربما انقطعت في يد الجاذب لها . فإذا أراد أن يخرجها أرسلها بعض إرسالٍ ثم يجذبها كالمختطف لها . قال : ومن أصناف الحيّات ما هو أزعر ، وما هو أزبّ ذو شعر ، ومنها ذوات قرون . ومنها ما يسمى الأسود وهو ما إذا كان مع الأفاعي في جونةٍ وجاع ابتلعها من قبل رءوسها ، ومتى رام ذلك من غير جهة الرأس عضّته فقتلته . ومن أصنافها ما يسمى الأصلة ، وهو ثعبان عظيم جدّاً ، وله وجه كوجه الإنسان ؛ ويقال : إنه يصير كذلك إذا مرّت عليه ألوف من السنين . وهو يقتل بالنظر وبالنفخ . ومنهم من يسمّي هذا النوع الصّلّ ، ويقول : إنّ أصل خلقته على هذه الصفة . وقال : وفي البادية حيّة يقال لها الحفّاث تأكل الفأر وأشباهه . وهي عظيمةٌ ، ولها وعيدٌ منكر ونفخٌ وإظهار للصولة ، وليس وراء ذلك شيء ؛ والجاهل ربما مات من الفزع منها .
قالوا : والثعبان والأفعى فإنه يقتل بما يحدثه من الفزع ؛ لأن الرجل إذا فزع تفتّحت مسامّه ومنافسه ، فيتوغّل السمّ في موضع الصّميم وأعماق البدن . فإن نهشت النائم والمغمى عليه والمجنون والطفل الصغير لم تقتله البتّة . وزعم صاحب المنطق أنّ بالحبشة حيّاتٍ لها أجنحةٌ . وأخبرني المولى شرف الدين أحمد بن البزديّ قال : كنت بمدينة الرّملة في شهور سنة اثنتين وسبعمائة صحبة الصاحب شرف الدين بن الخليل ومعه القاضي الحاكم وجماعةٌ كثيرة من الناس وفيهم عدولي وغيرهم ؛ فنظرنا نحو

الصفحة 81