كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 83 """"""
ورجالٌ من بني العنبر : أنّ عندهم في رمال بلعنبر حيّةً تصيد العصافير وصغار الطير بأعجب حيلةٍ ؛ وزعموا أنها إذا انتصف النهار واشتدّ الحرّ في رمال بلعنبر وامتنعت الأرض على الحافي والمنتعل ، غمست هذه الحية ذنبها في الأرض ثم انتصبت كأنها عودٌ مركوزٌ أو عود ثابت ، فيجيء الطائر الصغير والجرادة ، فإذا رأى عوداً قائماً وكره الوقوع على الرّمل لشدّة حرّه وقع على رأس الحيّة على أنها عود ، فإذا وقع على رأسها قبضت عليه . فإن كان جرادةً أو جعلاً أو بعض ما لا يشبعها ابتلعته وبقيت على انتصابها ؛ وإن كان طائراً يشبعها أكلته وانصرفت ؛ وإن ذلك دأبها ما منع الرمل جانبه في الصيف والقيظ .
قال : وزعم لي رجالٌ من الصّقالبة خصيانٌ وفحولٌ أنّ الحيّة في بلادهم تأتي البقرة المحفّلة فتنطوي على فخذيها وركبتيها إلى عراقيبها ثم تشخص صدرها نحو أخلاف ضرعها حتى تلتقم الخلف ، فلا تستطيع البقر مع قوّتها أن تترمرم ؛ فلا تزال الحيّة تمصّ اللبن ، ولكما مصّت استرخت ؛ فإذا كادت لتلف أرساتها . وزعموا أنّ تلك البقرة إما أن تتلف ، وإما أن يصيبها داءٌ في ضرعها وفسادٌ شديد يعسر دواؤه .
وهذا الباب طويل ؛ وقد أوردنا منه ما فيه غنيةٌ . فلنذكر ما قيل في أصناف الحيّات وأوصافها .
أسماء الحيّات وأوصافها
يقال : الجانّ والشيطان هي الحيّة الخبيثة . والحنش : ما يصاد من الحيّات . والحيّوت : الذكر منها . والحفّاث والحضب : الضخم منها . والأسود : العظيم وفيه سواد ؛ ويقال : الأسود هو الداهية ؛ وله خصيتان كخصيتي الجدي ، وشعر أسود ، وعرفٌ طويل ، وصنانٌ كصنان التّيس . والشّجاع : أسود أملس يضرب إلى البياض ، خبيث ؛ ويقال : إنه دقيق لطيف . والأعيرج : حيّةٌ صمّاء لا تقبل الرّقي وتطفر كما تطفر الأفعى . ويقال : الأعيرج : حيّةٌ أريقط نحوٌ من ذراع ، وهو أخبث من الأسود . وقال ابن الأعرابيّ : الأعيرج أخبث الحيّات ، يقفز على الفارس حتى يصير معه في سرجه . وقال الليث عن الخليل :

الصفحة 83