كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 94 """"""
باب الجحر ثم تدعهنّ أربعين يوماً ، فيتفقص البيض ويظهر ما فيه ، فتحفر عنهن عند ذلك . فإذا كشفت عنهم أحضرن وأحضرت في أثرهنّ ، فتأكل ما أدركت منهنّ . ويحفر المنفلت منها لنفسه جحراً ، ويرعى من البقل . فلذلك توصف بالعقوق . ويضرب به المثل في أكل حسوله . وفي ذلك يقول الشاعر :
أكلت بنيك أكل الضبّ حتى . . . تركت بنيك ليس لهم عديد
قالوا : وفي ذنب الضبّ من القوّة ما يضرب به الحيّة فربما قطعها . والضبّ طويل العمر . وفي طبعه أنه يرجع في قيئه . وهو شديد الإعجاب بالتمر . ويقال : إنه يمكث ليلةً بعد الذّبح ثمّ يقرّب إلى النار فيتحرّك .
قال الجاحظ : وزعمت العرب إنّ الضبّ يعدّ العقرب في جحره ؛ فإذا سمع صوت الحرش استثفرها فألزقها بأصل عجب ذنبه وضمّه عليها ، فإذا أدخل الحارش يده ليقبض على أصل ذنبه لسعته . وقيل : بل العقارب تألف الضّباب وتسالمها وتأوي إليها . قال التّميميّ :
أتأنس بي ونجرك غير نجري . . . كما أنس العقارب والضّباب والضبّ من الحيوان المأكول ؛ غلاّ أنّ العرب تعيّر بني تميم بأكل لحم الضبّ . والدليل على إباحته ما جاء في الحديث الصحيح : أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان في بيت ميمونة رضي الله عنها ، فقدّمت له مائدةٌ وعليها ضبٌّ مشويّ ، فأهوى بيده ليأكل منه ؛ فقيل له : يا رسول الله ، إنه ضبّ ؛ فرفع يده . فقال له خالد بن الوليد : يا رسول الله ، أحرامٌ هو ؟ قال : " لا ولكنه ليس في بلاد قومي فأنا لا آكله " ؛ فأكله خالد بن الوليد بحضرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم ينهه ؛ ولو كان حراماً لنهاه ( صلى الله عليه وسلم ) عن أكله ولأخبر بتحريمه لمّا سئل عنه .
وقال أبو نواس يعيّر بأكل الضبّ :
إذا ما تميميٌّ أتاك مفاخراً . . . فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضّبّ

الصفحة 94