كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 11)

"""""" صفحة رقم 130 """"""
في صورته ، ورقة في محاسنه ، واعتدلا في قده ، وعبقاً في نسيمه ، ومائية في ديباجته ، قد عطفت علينا الأعين ، وثُنيت إلينا الأنفس ، وزهت بمحاضرتنا المجالس ، حتى سفرنا بين الأحبة ، ووصلنا أسباب القلوب ، وتحملنا لطائف الرسائل ، وصيغ فينا القريض ، وركبت في محاسننا الأعاريض ، فطمح بنا العجب ، وازدهانا الكبر ، وحملنا تفضيل من فضلنا ، وإيثارُ من آثرنا ، على أن نسينا الفكر في أمرنا ، والتمهيد لعواقبنا ، والتطييب لأخبارنا ، وادعينا الفضل بأسره ، والكمال بأجمعه ، ولم نعلم أن فينا من له المزيةُ علينا ، ومن هو أولى بالرآسة منا ، وهو الورد الذي إن بذلنا الإنصاف من أنفسنا ، ولم نسبح في بحر عمانا ، ولم نمل مع هوانا ، دنا له ، ودعونا اليه ، فمن لقيه منا حياه بالمُلك ، ومن لم يدرك زمن سلطانه ، ودولة أوانه ، اعتقد ما عُقد عليه ، ولبى إلى ما دُعي إليه ، فهو الأكرم حسبا ، والأشرفُ زمنا ، إن فُقد عينُه لم يُفقد أثرُه ، أو غاب شخصُه لم يغب عَرْفُه ، وهو أحمر والحُمرةُ لون الدم ، والدمُ صديقُ الروح ، وهو كالياقوت المنضد ، في أطباق الزبرجد ، عليها فريدُ العسجد ، وأما الأشعارُ فبمحاسنه حَسُنتْ ، وباعتدال زمانِه وزِنتْ . وفي فصل منها : وكان ممن حضر هذا المجلس من رؤساء النوارِ والأزهار ، النرِجس الأصفر والبنفسجُ والبهار ، والخيري - وهو النمام - فقال النرجس الأصفر : والذي مهد لي في حجر الثرى ، وأرضعنى ثدي الحيا ، لقد جئت بها أوضح من لبة الصباح ، وأسطع من لسان المصباح ، ولقد كنتُ أسترُ من التعبدُ له ، والشغف به ، والأسف على تعاقب الموت دون لقائه ، ما أنحل جسمي ومكن سُقمي ، وإذ قد أمكن البوحُ بالشكوى ، فقد خف ثقل البلوى ، ثم قام البنفسجُ فقال : على الخبير والله سقطت ، أنا والله المتعبد له ، والداعي إليه والمشغوفُ به ، وكفى ما بوجهي من ندب ، ولكن في التأسي بك أُنس ، ثم قام البهار فقال : لاتنظرن إلى غضارِة نبتي ، ونضارة ورقي ، وانظر إلى وقد صرت حدقة باهتة تشير إليه ، وعينا شاخصة تندى

الصفحة 130