كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 11)

"""""" صفحة رقم 139 """"""
خمائلهُ ، واطردت أنهاره ، وتعانقتْ أغصانُه وأشجارُه ، بزغت شموسي في فلك غياضه ، وتكلل خدي عرقا من أنداءِ رياضه ، فأنا بينها الطراز المذهب ، والملك المعظم المهذب ، إذا برزت في لياليك المُعتمه ، وظهرت في أراضيك المُقتمه ، وسهرت عيونك في ليل شتائك ، وقاسيت برد مائك وطول عنائك ، ولكم بين الشتاء والربيع ، كما بين الرئيس والوضيع ، يا جبلي الطباع ، ولقد صرتك رياحي ، وصفرتْ عينك حُمرة خُمرة ارتياحي ، وأما ثلبُك بقصر مُدتي ، وسرعة بلى جِدتي ، فدليلٌ على عدم عقلك ، وسقوط معقولِك ونقلك ، أما علمت أن المكثر للزيارة مملول ، وعقد وده محلول ، لو بقيت الشمس على الدوام ، لملتها أنفس الأنام ، ولك بذلك عبره ، وأنت في هذا الموطن من أهل الخبرة ، لما أقمت ملك الناشق ، ولم يعرج عليك العاشق ، ولقد عجبتُ من رقاعةٍ عصبت رأسك بالحماقة ، وادعيت شبه العيون وأنت أشبه شيء بُصفرِة بيض على رُقاقه ، إن ذهبت عيني فأثرى على أردان الأمجاد يفوح ، وعلى ممر الأعصُر يغدو ويروح ، فأنا أثرٌ بعد عين ، فدع عنك التحلي بالمين ، ولله در القائل :
يا حبذا الورد مذ حيا بطلعته . . . وعطر الأفق منه نشرُه العِبقُ
كالشمس شكلا ونشر المسك رائحةً . . . واللؤلؤ الرطب في تضريحه عَرَقُ
فعميت عيون النرجس من بزوغ أنواره ، ونُكستْ أعلامه الزبرجديه لنضارة نواره ، فعندها قال الورد : هذه الشقراء والميدان ، أن كانت لك خبرة بمبارزة الأقران ، فلما أورده لظى الحرب ، ولم يكن من رجال الطعن والضرب ، وألزمه الحجة ، وعرفه المحجه ، وبان بهرجه من إبريزه ، وتحقيق مواد تبريزه ، دمعت عينه أسفا ، على ما أبداه من الجفا ، ثم قال : ما أنا أول من بحث بظلفه عن حتفه وجدع مارن أنفه بكفه ، لقد قيل : عادات السادت ، سادات العادات ، وعادة

الصفحة 139