كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 11)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
كم منزلٍ في نهرِها آلى السرو . . . ر بأنه في غيرِه لا ينزلُ
فكأنما تلك القصورُ عرائسٌ . . . والزهرُ وشيٌ فهي فيه تَرفُلُ
غنت قيانُ الطير في أرجائه . . . هزجا يقل له الثقيلُ الأولُ
وتعانقتْ تلك الغصونُ فأذكرتْ . . . يوم الوداع وعِيرهُم تترحلُ
ربع الربيعُ بها فحاكت كفه . . . حُللا بها عُقد الهمومِ تُحللُ
فمدبجٌ وموشحٌ ومدنرٌ . . . ومعمدٌ ومخبرٌ ومهللُ
فتخال ذا عينا وذا ثغرا وذا . . . خّدا يعضض تارةً ويقبلُ
غوطة دمشق التي هي شركُ العقول وقيدُ الخواطر ، وعِقالُ النفوس ونزهةُ النواظر ، خلخلتْ الأنهار أسواق أشجارها ، وجاست المياهُ خلال ديارها ، وصافحت أيدي النسيم أكف غُدرانها ، ومُثلت في باطنها موائسُ أغصانها ، يخال سالكها أن الشمس قد نثرت على أثوابه دنانير لا يستطيع أن يقبضها ببنان ، ويتوهم المتأمل لثمراتها أنها أشربةٌ قد وقفتْ بغير أوانٍ في كل أوان ، فيالها من رياضٍ من لم يطفْ بزهرها من قبل أن يحلق فقد قصر ، ومن غياضٍ من لم يشاهدها في إبانها فقد من عمره الأكثر .
وهذه الأربعةُ الأماكن أجمع جوابو الأقطار على تفضيلها على ما عداها ، وتمييزها على ما سواها .
وللناس في وصف الرياض محاسنُ سنذكر منها النزر اليسير ، ونقتصر على لُمعةٍ ليس لنضارتها نظير .
فمن ذلك قولُ الثعالبي في " سحر البلاغة وسر البراعة " : روضةٌ رقت حواشيها وتأنق واشيها ، أشجارها كالعرائس في حللها وزخارفها ، والقيان في وشيها