كتاب تفسير آيات من القرآن الكريم (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الخامس)

{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ} 1 قال: إنه ليشق علي مفارقته وقت ذهابكم به لفرط محبته، {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} 2 أي: تشتغلون عنه برميكم ورعيكم، فأخذوها منه وجعلوها عذرهم، ومن الأمثال: (البلاء موكل بالمنطق) .
وفيه أنه لم يتهمهم بما أرادوا، ولكن خاف من التقصير في حفظه. {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ} 3 أي: إن عدا عليه فأكله ونحن جماعة إنا إذا لعاجزون، فيه الذم لمن ترك الحزم. وفيه أن العجز هلكة.
{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} 4 هذا فيه تعظيم لما فعلوا أنهم اتفقوا على إلقائه في أسفل الجب، وقد أخذوا من أبيه بذلك الكلام.
وقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} قيل: كان قد أدرك، وقيل: أوحي إليه كما أوحي إلى عيسى ويحيى 5. وقوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي: لا يشعرون بأنك يوسف، كذا روي عن ابن عباس. وقيل: لا يشعرون بإيحائنا ذلك إليه.
وفيه جواز الذنوب على الصالحين، وفيه رجاء رحمة الله، وفيه أن الله سبحانه وقت البلاء نعما عظيمة.
__________
1 سورة يوسف آية: 14.
2 سورة يوسف آية: 13.
3 سورة يوسف آية: 14.
4 سورة يوسف آية: 15.
5 يشير إلى كلام عيسى في المهد وإعطاء يحيى الحكم صبيا (عليهما السلام) سورة مريم: 12-30.

الصفحة 132