كتاب تفسير آيات من القرآن الكريم (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الخامس)

الخامسة عشرة: وهي حرص المخلص لله على براءة عرضه عند الناس، وإن ذلك لا يناقض الإخلاص، بل قد يكون واجبا، ولم يعتب عليه في هذا كما عتب عليه في قوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قيل: إن (ما) في هذا الموضع بمعنى عن قوله: {مَا بَالُ} : ما شأن النسوة. {ما خطبكن} : ما أمركن وقصتكن. قوله: {حَصْحَصَ الْحَقُّ} : ظهر وتبين {الْآنَ} أي: هذا الوقت.
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} 1 فيه مسائل:
الأولى: {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أي: أجعله خالصا لنفسي دون غيري يقال: (الرفيق قبل الطريق) ، وكما قال: "لينظر أحدكم من يخالل" 2.
الثانية: وهي أعجب، قوله: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} وبيانه: لما دخل بعض العلماء على بعض الملوك، وكان دميما، فضحك الملك من دمامته، فذكر له هذه الآية واستحسن الملك جوابه، ومعنى هذا أن الملك لم يتمكن من قلبه لما رأى جمال صورته، بل لأجل علمه الذي تبين له لما كلمه.
الثالثة: قوله: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا} أي: عندنا {مَكِينٌ} أي: مكنتك من ملكي تصرف فيه، {أَمِينٌ} أي: عرفت صحة أمانتك فأمنتك على ما تحت
__________
1 سورة يوسف آية: 54 - 55.
2 الترمذي: الزهد (2378) , وأبو داود: الأدب (4833) , وأحمد (2/303 ,2/334) .

الصفحة 155