كتاب تفسير آيات من القرآن الكريم (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الخامس)

بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} 1
فيه مسائل:
الأولى: قوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} ، قيل معنى ذلك: كما أنعمنا عليه بنعم الدين أنعمنا عليه بنعم الدنيا.
الثانية: أن ذلك تمكينه في أرض مصر، يحل وينزل منها ما أراد بعد ذلك الحبس والضيق.
الثالثة: تسمية الله سبحانه ذلك رحمة في قوله: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} ، وهذه من أشكل المسائل على أكثر الناس: بعضهم يظن أن هذا كله نقص أو مذموم، وأن التجرد من المال مطلقا هو الصواب، وبعض يظن أن عطاء الدنيا يدل على رضى الله وكلاهما على غير الصواب، وذلك أن من أنعم الله عليه بولاية أو مال فجعلها طريقا إلى طاعة الله فهو ممدوح، وهو أحد الرجلين اللذين 2 يغبطهما المؤمن، وإن كان غير هذا فلا.
الرابعة: أن هذه الأمور وإن جلت وصارت أعلى المراتب وأصعبها طريقا، فتحصيلها مردود إلى محض المشيئة لا إلى الأسباب.
الخامسة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا} 3.
__________
1 سورة يوسف الآيتان: 56 - 57.
2 إشارة إلى حديث لا حسد إلا في اثنتين. رواه الشيخان والترمذي وابن ماجة وأحمد عن ابن عمر.
3 فيه إشارة أيضا إلى قوله تعالى: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا الكهف) الآية: 30.

الصفحة 157