كتاب تفسير آيات من القرآن الكريم (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الخامس)

مما يضرهم بربوبيته، وقهرهم وأمرهم ونهاهم، وصَرَّفهم كما يشاء بملكه، واستعبدهم بالهيبة 1 الجامعة لصفات الكمال كلها.
وأما المستعاذ منه فهو الوسواس; وهو الخفي الإلقاء في النفس، إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من أُلقي إليه، وإما بصوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد.
وأما الخناس فهو الذي يخنس 2 ويتأخر ويختفي، وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء، وهذان وصفان لموصوف محذوف وهو الشيطان، وذلك أن العبد إذا غفل جثم على قلبه وبذل فيه الوساوس التي هي أصل 3 الشر; فإذا ذكر العبدُ ربه واستعاذ به، خنس.
قال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية يضعه على ثمرة 4 القلب يمنّيه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس; وجاء بناؤه على الفَعَّال الذي يتكرر منه، فإنه كلما ذكر الله انخنس، وإذا غفل عاد.
وقوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} 5 يعني أن الوسواس نوعان: إنس وجن؛ فإن الوسوسة الإلقاء الخفي، لكن إلقاء الإنس بواسطة الأذن والجني لا يحتاج إليها، ونظير اشتراكهما في الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني
__________
1 في س " بالإهية ".
2 في س "يخنس ويختفي" فقط.
3 هنا بياض في س.
4 في س "ثغرة".
5 سورة هود آية: 119.

الصفحة 388