كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 5)

وَأَقْبَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ يَوْمَئِذٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي طَلَبِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا، وَأَمَّنَهُ فَخَرَجَتْ بِعَبْدٍ لَهَا رُومِيٍّ فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُمَنِّيهِ وَتُقَرِّبُ لَهُ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى نَاسٍ مِنْ عَكٍّ، فَاسْتَغَاثَتْ بِهِمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ لَهَا، وَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِكْرِمَةَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عليه ردأ حَتَّى بَايَعَهُ وَأَدْرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ بِتِهَامَةَ، فَأَقْبَلَ مَعَهَا وَأَسْلَمَ وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ حِينَ هُزِمَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَارًّا فَلَامَتْهُ وَعَجَّزَتْهُ وَعَيَّرَتْهُ بِالْفِرَارِ، فَقَالَ:
وَأَنْتِ لَوْ رَأَيْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ ... إِذْ فَرَّ صَفْوَانٌ وَفَرَّ عِكْرِمَةْ
وَلَحِقَتْنَا بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَةْ ... يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ
لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أدنى كلمه
__________
[ () ] غيره- ويحك!! أنظر من ترى؟ قال: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، قال صفوان: ما أصنع بعمير بن وهب، والله ما جاء إلّا يريد قتلي قد ظاهر علّي محمّدا، فلحقه فقال: يا أبا وهب جعلت فداك، جئت من عند أبرّ النّاس، وأوصل النّاس، فداك أبي وأمّي الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قد جئتك به. قال: ويحك أغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان فداك أبي وأمي. أفضل النّاس وأبرّ النّاس وخير النّاس ابن عمّك، عزّه عزّك، وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، قال: ولا أرجع معك حتّى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال: امْكُثْ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ به، فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ صَفْوَانَ أبى أن يأنس لِي حَتَّى يَرَى مِنْكَ أمارة يعرفها، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته فأعطاه إيّاها، وهي البرد الّذي دخل فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم معتجرا به برد حبرة، فرجع معه صفوان حتّى انتهى إلى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلّي بالمسلمين العصر في المسجد، فلمّا سلّم رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاح صفوان: يا محمد، إنّ عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنّك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا وإلا سيّرتني شهرين. فقال: «انزل أبا وهب» قال: لا والله حتّى تبيّن لي قال: «بل لك تسيير أربعة أشهر» فنزل صفوان، ولمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى هوازن وفرق غنائمها فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم صفوان ينظر الى شعب ملآن نعما وشاء ورعاء، فأدام النّظر اليه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يرمقه فقال: «يا أبا وهب يعجبك هذا الشّعب؟» قال: نعم قال: «هو لك وما فيه» فقبض صفوان ما في الشّعب، وقال عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلّا نفس نبيّ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأسلم مكانه

الصفحة 47