كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 5)

لَكُمْ [ (39) ] أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ [ (40) ] ، ثُمَّ أَدْلَعَ [ (41) ] لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِهِ فَرْيَ الْأَدِيمِ [ (42) ] ، فَقَالَ:
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يَخْلُصَ [ (43) ] لَكَ نَسَبِي فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أُخْلِصَ لَكَ نَسَبُكَ فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرُ مِنَ الْعَجِينِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
وقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى [ (44) ] .
قال حسان:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الوفاء [ (45) ]
__________
[ (39) ] (لقد آن لكم) أي حان لكم.
[ (40) ] (الضارب بذنبه) قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه، فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه، فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه.
[ (41) ] (أدلع لسانه) أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه.
[ (42) ] (لأفرينهم بلساني فري الأديم) أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
[ (43) ] في صحيح مسلم: «حتى يلخّص لك نسبي» .
[ (44) ] (فشى واشتفى) أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين.
[ (45) ] (هجوت محمدا برا تقيا) وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيا. فالبر الواسع الخير والنفع.
وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل:
البر، هنا، بمعنى المتنزه عن المآثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.

الصفحة 51