كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)
أشرف الأمور وأكرمها، وقد سبق ذكر هذا النهد في التنزيل مما اقتص الله علينا في شأن أصحاب الكهف من قوله: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه}.
فنسب الرزق إليهم كلهم، فكأنه دل على أنهم اجتمعوا على النفقة، فبعثوا واحداً منهم بورقهم في شراء ما بهم إليه الحاجة من الطعام، وفي هذا دلالة لصحة الوكالة أن الوكيل قد يجوز أن يشتري لغيره، ويتوكل له في أموره، فيجوز عليه، وإنما هذا القول في شأن النهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعامة من عنده، فأما الكرام الذين [هم] ملوك الدين، فهم أرفع شأناً من أن يتناهدوا؛ لأن قدر الشيء عن قلوبهم ساقط، ومن طبيعتهم السخاء، فقلما يجري فيما بينهم إذا انفردوا عن العامة وزن وعدد وتفقد، إنما الوزن والعدد والتفقد للعامة الذين عظم شأن ذلك عندهم، وحل من قلوبهم محل الفتنة.
فأما أهل اليقين والقربة: فهم في خلو من هذا فيما بينهم إذا تفردوا عن الناس، وعلى صدق الأخوة تجري أمورهم، يأخذ أحدهم من مال أخيه عند الحاجة، وإنما طابت نفوسهم بذلك؛ لأنه لا يمد أحدهم يده إلى مال أخيه لرغبة فيه، ولا لشهوة، ولا لقضاء نهمة، إنما يجده