كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)
فاليسر الأول: هو ما أعطي العبد من الآلة، والعلم، والمعرفة، والقوة، فلولا النفس التي تحارب صاحبها بدفع ما يريد، وإفساده عليه، لكان الأمر قد تم، فإنه قد أعطي يسراً بأنه يقوم بالأمر الذي قد أمر، ولكن جاءت النفس بشهوتها، والعدو بكيده، فاحتاج العبد إلى يسر آخر، فوعده، فقال: عسر عليك الأمر، فأعطيتك مع العسر يسراً.
ثم قال: {إن مع العسر يسراً} فيسراً قبل الأمر، وهو اليسر الأصلي، وهو حجة الله على عبده، وقال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} ويسراً بعد الأمر حين يأخذ فيه، وهو العون له، فإذا جاء العون، انهزمت النفس، وخمدت الشهوة، وهرب العدو، وبطل كيده، فهذا يسر، فهما يسران لن يغلبهما هذا العسر الذي بينهما، وهو مجاهدة النفس حتى يأتيك بحربها وجهادها؛ ليصدك، ويقهرك بشهواتها، فذلك عسر قد حل بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يغلب عسرٌ يسرين)).
فبشرهم أن العبد إذا لم يلق بيديه وبصره، واستعمل ما أعطي من اليسر في وقت هذا العسر الذي عارضت النفس به، جاءه اليسر الثاني،