كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)

وقوله: ((عبدٌ بغى وعتا، ونسي المقابر والبلى)) والبغي: طلب العلو، وكلما رأى في الدنيا درجة، أحب أن ينال ذلك، ويسلب غيره، فهو باغ للمنازل؛ يحب أن ينفرد بها دون نظرائه.
وعتا: أي؛ يبس قلبه، انتشفت حرارة شهوته رطوبة قلبه، وما ركب فيه من الرأفة والرحمة الخلقية الطبيعية، وإذا يبس ذاك، وصار إيمانه محجوباً، فلا إيمانه عَمِلَ عَمَلَ الرأفة والرحمة، والعطف، والبر، والرفق، والسخاوة، ومحاسن الأخلاق، ولا الذي ركب في طبائع الآدميين من ذلك بقيت رطوبته، فيعمل عمله، فهذا قلب قاسٍ عاتٍ يابسٌ من الخير، قد انتشفت منه ماء الرحمة، فهذا متكبر، فمن الكبر طلب العلو، ومن الكبر عتا، فذهب رفقه، وصبره، وتأنيه، وحلمه، وحياؤه، ورأفته، وعطفه، ورحمته، ونسي أن القبر متضمنه يوماً، ويحتوي على أركانه، ومبلٍ لحمه، ودمه أكلاً أكلاً، حتى يصير من اللحد فقيداً.
وقوله: ((عبدٌ يختال بالدين الدنيا)) فهذا عبد متصنع، مداهن، قلت مبالاته بنفسه على الحقيقة، إنما يبالي بما يعرض له في العاجل من النهمة لما ينالها؛ لبعد قلبه عن الآخرة، ومن بعد قلبه عن الآخرة، فهو من البر أبعد وأبعد، فقد ترصد للتوثب على الدنيا؛ ليظفر بها منتهزاً لفرصتها

الصفحة 19