كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)

وقد قيل لها: {وجاهدوا في الله حق جهاده}، ثم قال: {هو اجتباكم}؛ أي: رفعكم من بين الأعداء؛ جباية منه لكم؛ ليتخذكم أحباباً، وإنما جباهم من بين الأعداء، ووضع في قلوبهم التوحيد بحلاوته؛ كي إن جاءت النفس بحلاوة شهواتها إلى القلب، ضرب بتلك الحلاوة وجهها، وردها بقوة هذه الحلاوة الممنون عليه بها؛ بمنزلة ملك قاعد على سرير الملك، والتاج على رأسه، والإكليل على جبينه في سماطي جنوده، وبين يديه قعبٌ من عسل وشهد، فهو يلعق العسل، ويطعم الشهد على أثره؛ كي يقوى على لعق العسل عوداً، فجاءه عبد حبشي في وسخ ذو خيانة، قد ابتلي به؛ لأنه دبره على شريطة أن يعتقه بعد كذا وكذا من العمل والخراج، فلا يقدر أن يبيعه، ولا يغصبه ممن يملكه، فبينا هذا الملك على هذا الحال الذي وصفنا، إذ أتاه هذا العبد بطبق عليه فرصاد، أو مشمش، يظهر بذلك شفقته على الملك؛ ليتناول من هذه الحلاوة التي جاء بها، أفلا يحق على هذا الملك أن يأمر بطرده بما جاء به؛ لأنه سخر بأمره، فإذا كان الملك أبله، أعرض عن العسل، وأقبل على هذا الفرصاد.

الصفحة 459