كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)

فهذا الموحد الذي أعطي التوحيد بما فيه من الحلاوة إذا انخدع لنفسه، وبما تأتي به النفس بمنزلة هذا الملك الأبله، فإذا وجد الجنود الملك أبله، تحيروا، وتعطلت أعمالهم التي بها وكلوا، ورفع التاج عن رأسه، ونزع الإكليل، وأنزل عن السرير، ووضع في يد هذا العبد القذر حتى يدوسه في المزابل حتى يمتلئ منخراه ودماغه من كل نتن، فهناك تجده لا يلتذ بطاعة، ولا يستروح إلى ذكر الله؛ لأنه لا يجد رائحة الذكر؛ لأنه يخرج من صدر كالمزابل، محشو بالخبث، والخيانة، والظلم، والعدوان، والرغبة، والتجبر، والتعزز، والتكبر، والاستبداد، والحقد والغلو، وحب الأشياء التي يضاهي الله بها، وينازع رداءه، أفيرجو بعد هذا صاحب هذا أن يلتذ بطاعة، أو يستروح إلى ذكر، أو يجاوز قلبه في عمله رأسه؟ فإن اجتهد، فأخلص في شيء واحد بحرمة ذلك التوحيد وبقوته، فبجهد شديد، ولا يجاوز قلبه الحق، فهذا شأن العامة.
وأما الصادقون: وهم العباد، والزهاد، والقراء، فنياتهم صاعدة بهذه الأشياء التي ذكرنا من العقل، والعلم، والهمة، والإضمار، والعزم، فإذا بلغ المحل الذي هناك، استقر القرآن في بيت العزة في السماء الدنيا، ضعفوا عن تجاوز ذلك إلى ما فوقه؛ لأنه لا يقدر قلبه على الطيران إلى العلا، وعلى

الصفحة 460