كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)

بالدعاء، فهذا الذي أوقر نفسه، وأثقل ظهره من الخبائث، صار كسلاناً لحماً، ودماً، ملقًى بالأرض، وخيماً، جلفاً، جافياً، فيعلم على ألسنة الناس هذه الدعوات ملتمساً بها من عنده نوالاً، لا عن فاقة وافتقار، خرجت من جوفه تلك الكلمات، ولا علم بالبيان، وإن كان أعلم الناس باللغة، فهو عالم بالكلمات من طريق اللغة، جاهل بغور الكلمة، جاهل بمعدنها، جاهل بوضعها.
فلو قال: اغفر لي، لم يدر ما المغفرة، وإن سئل عن ذلك، قال: المغفرة حط الذنوب، وهو جاهل بها.
وإن سئل عن قوله: اعف عني، لم يدر ما العفو، وقال: هو أن لا يؤاخذني بذنبي، فأنت تسأله عن تفسير العفو، وهو يجيبك عما يحدث عن العفو.
وإن قال: استرني، لم يدر ما الستر، وإن أثنى، لم يدر ما ذلك الثناء، وإن مدح، لم يدر ما ذلك المدح، وإن حمد، لم يدر ما ذلك الحمد، فهو عارف باللغة، بصير بالعربية، جاهل بالمعنى، أعمى عن حشو المعنى، فصاحب هذا لا يصيب في دعائه جداً ولا اجتهاداً، واليقين منه بعيد، وإنما يدعو عن ظهر قلب، فهذا عبد يجاب ولا يستجاب، وإنما يجاب؛ لأنه مؤمن، فالإجابة للمؤمنين، والاستجابة للجادين المجتهدين، المفتقرين،

الصفحة 489