كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)
الملكان، ونظر عظيم ما أتى، ورفع الحجاب عن قلبه، وثب من مكانه وثبة ملدوغ جرى السم في عروقه، والتهب جوفه نيراناً، فرمى بثيابه، ولبس المسوح، وافترش التراب، والتجأ إلى البراز صارخاً بالعويل، ولزق بالأرض، وخر على محاسن وجهه بسجدة، يا لها من سجدة! لقد طال سقوطه بين يدي ربه منقبض الأعضاء، متحاملاً بجميع جوارحه على عرنينه، لقلبه وجيف، ولفؤاده خفقان، وبالدموع عيناه تنهلان، يجأر إلى الله متسكيناً، ويعتب إليه من فيح ما انكشف له معتذراً، حتى نبت العشب حوله من دموع عينيه، وهو ينادي في سجوده: إلهي! أين أفر من الموقف بين يديك غداً؟ ومن ينقذني من ظلمة خطيئتي وسوادها؟ فقد خفت أن تحول ظلمتها بيني وبين النظر إليك غداً، سبحان خالق النور إلهي!
ولزمته استكانة البلاء، ودخله الوهن والضعف، وانقطع الجواب، وضاقت عليه الأرض برحبها، وضاقت عليه نفسه، وقلق في سجوده، ونادى:
إلهي! خليت بيني وبين عدوي، فلم أطق لفتنة نزلت بي دفعاً. سبحان خالق النور إلهي!
قرح الجبين، وفنيت الدموع، ودبرت الركبتان، وخطيئتي ألزم لي من جلدي.