كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 5)

ما عرض لك من المنى، فإن كانت المودة قد انقطعت، فالمحبة قائمة، والحظ باق، فمنها حديث المودة، وإنما كانت المودة التي انقطعت ما شارطه ربه أن قال: ودني بعداوة نفسك.
فعادى نفسه، فجعل له وداً بعداوته نفسه، فلما أعطاها منيتها انقطع الود، فلما تاب عليه، وقبله، جعل له بدل الود عطفاً وشفقة، فلم يزل داود يزداد بذلك العطف والشفقة قرباً، وكلما ازداد منه بذلك قرباً، ازداد بقلبه وجعاً، وفر من ربه حياء، وكلما ازداد من ذلك، ازداد من الله عزاً، ومنةً، وشرف محلٍ، وعظيم قدرٍ، وازداد كرامة ونيلاً حتى صار رأس البكائين، ومسعد الخطائين على الذنوب نوحاً وعويلاً بعد أن كان يتغيظ عليهم حنقاً، فلم يزل باكياً منكساً رأسه من الحياء، حتى كادت نفسه تزهق من الوجد والأسى، وأقسم أن لا يشرب شراباً إلا مزجه بدموع عينيه، ولا يطعم طعاماً إلى خلطه بالرماد؛ لئلا تصل إلى نفسه لذة الطعام والشراب، وكان إذا خرج إلى الناس، ألقى نفسه بين الخطائين، ويقول: مسكين بين ظهراني مساكين، وسأل ربه أن ينقش له خطيئته في يده اليمنى، فكان لا ينظر إليها إلا

الصفحة 85