كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: 2] وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّا سَمِعْنَا حِكَايَةَ قُرْآنٍ عَجَبٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ} [الإسراء: 46] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ حِكَايَةِ الْقُرْآنِ. وَمَثَلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، مَنْ تَدَبَّرَهُ عَرَفَهُ. وَجَاءَ فِي سُنَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، مَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَيُضَاهِيهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ قُرَيْشًا مَنَعَتْنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي». وَلَمْ يَقُلْ حِكَايَةَ كَلَامِ رَبِّي. وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ تَعَلَّمَ حِكَايَةَ الْقُرْآنِ.

الصفحة 319