كتاب مصابيح الجامع (اسم الجزء: 5)

وإنما فضل واجبٌ - وهو الإنظارُ الذي تضمنه الإبراء وزيادة، وهو خصوص الإبراء - واجبًا آخر، وهو مجردُ الإنظار.
ونازعه ولدُه القاضي تاجُ الدين السبكيُّ في "الأشباه والنظائر" في ذلك، فقال: وقد يقال: الإنظارُ هو (¬1) تأخير الطلب مع بقاء العلقة، والإبراء زوالُ العلقة.
قلت: لو عبر بإزالة العلقة، كان أحسن.
ثم قال: فهما قسمان لا يشتمل أحدُهما على الآخر، فينبغي أن يقال في التقدير: إن الإبراء يحصِّلُ مقصودَ الإنظار وزيادةً.
قال: وهذا كله بتقدير تسليم أن الإبراء أفضلُ، وغاية ما استدل عليه بقوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 25]، وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام، فلا يكون دليلًا على أن الإبراء أفضلُ، ويتطرق من هذا إلى أن الإنظار أفضل؛ لشدة ما يقال: النظر (¬2) من ألم الصبر مع تشوق القلب، وهذا فضلٌ ليس في الإبراء الذي انقطعَ فيه اليأس، فحصلت فيه راحةٌ من هذه الحيثية ليست في الإنظار، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ" (¬3).
فانظر كيف وَزَّعَ أجرَه على الأيام، يكثُر بكثرتها، ويقلُّ بقلَّتِها، ولعل سرَّه ما أبديناه، فالمُنْظِرُ ينال كلَّ يوم عوضًا (¬4) جديدًا، ولا يخفى أن هذا
¬__________
(¬1) في "ع": "وهو".
(¬2) في "ع" و"ج": "المنظر".
(¬3) رواه ابن ماجه (2418)، والإمام أحمد في "المسند" (5/ 360)، والحاكم في "المستدرك" (2225)، عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه.
(¬4) في "ج": "عرضًا".

الصفحة 11