كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (اسم الجزء: 5)
وما لجفوني لا تفيض مورداً ... من الدمع يهمي تارة ومورسا
وما للساني مفصحاً بخطابه ... وما كان لو أوفى بعهد لينسبا (1)
أمن بعد ما أودعت روحي في الثرى ... ووسدت مني فلذة القلب مرسما
وبعد فراق ابني أبا القاسم الذي ... كساني ثوب الثكل لا كان ملبسا
أؤمل (2) في الدنيا حياة وأرتضي ... مقيلاً لدى أبنائها ومعرسا
فآهاً وللمفجوع فيها استراحة ... ولا بد للمصدور أن يتنفسا
على عمر أفنيت فيه بضاعتي ... فأسلمني للقبر حيران (3) مفلسا
ظللت به في غفلة وجهالة ... إلى أن رمى سهم الفراق فقرطسا
إلى الله أشكو برح حزني فإنه ... تلبس منه القلب ما قد تلبسا
وهدة خطب نازلتني عشية ... فما أغنت الشكوى ولا نفع الأسا
فقد صدعت شملي وأصمت مقاتلي (4) ... وقد هدمت ركني الوثيق المؤسسا
ثبت لها وقعاً لشدة وقعها ... فما زلزلت صبري الجميل وقد رسا
وأطمع أن يلقى برحمته الرضى ... وأجزع أن يشقى بذنب فينسكا
أبا القاسم اسمع شكو والدك الذي ... حسا من كؤوس البين أفظع ما حسا
وقفت فؤادي مذ رحلت على الأسى ... فأشهد لا ينفك وقفاً محبسا
وقطعت آمالي من الناس كلهم ... فلست أبالي أحسن المرء أم أسا
تواريت يا بدري وشمسي وناظري ... فصار وجودي مذ تواريت حندسا
وخلفت لي عبئاً من الثكل فادحاً ... فما أتعب الثكلان نفساً وأتعسا
أحقاً ثوى ذاك الشاب فلا أرى ... له بعد هذا اليوم حولي مجلسا
فيا غصناً نضراً ثوى عندما استوى ... وأوحشني أضعاف ما كان أنسا
ويا نعمة لما تبلغتها انقضت ... فأنعم أحوالي صار بها أبؤسا
__________
(1) ق: ليقبسا.
(2) ق ص: أآمل.
(3) ص: خزيان.
(4) ق: مفاصل.